ان المواقف المبدئية ليست ثابتة فهي تخضع للتحولات الاجتماعية، ففي عصر كانت الابادات وفي عصر اخر كانت الحروب لاثبات الذات فقط وقهر الاخر وفي عصر كان الرق والسبي، اما الان فقانون التحولات الاجتماعية الذي يتمثل في الثقافة الانسانية المتجاوزة للذات يحكم الحروب في العالم، ففي مرحلة التحولات الانية هنالك مواقف مبدئية محددة تجاه الحروب وهي رفض وادانة قتل الابرياء من الاطفال والمدنيين تحت اي ذريعة. ويعني ذلك ادانة قتل الابرياء والاطفال في غزة من جانب اسرائيل او في جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق في السودان من قبل الحكومة، او في اي مكان اخر من قبل اي جماعة كانت ولو ادعت انها تمثل الله في الارض. ولكن هل تكفي تلك الادانة لتوصيف الحرب الدائرة الان بين حماس واسرائيل؟ هل هي حرب بين اسرائيل واطفال غزة؟ الحرب الاسرائيلة الفلسطينية حرب قديمة وليست وليدة اللحظة، وتمت عدة اتفاقيات لتسوية تلك الحرب، ولكن للاختلاف الفكرى بين حماس وفتح بالاضافة لاستثمار عدة اطراف في ذلك الاختلاف كل ذلك قاد الى عدم الوصول الى تسوية نهائية الى الان. قطر وحماس والفكر العربي (الاسلامي) القاصر: حماس مثلها مثل القاعدة وداعش وغيرها تبنت الفكر العربي للرسالة الارشادية المحمدية كما هو، فحماس لا تعترف بالاخر المختلف ففي عقيدتها القتالية هنالك داران دار اسلام ودار حرب، بالاضافة الى الامر الالهي الذي جاء من الفكر العربي وليس من الاله بان على المسلمين قتل اليهود حتى اخر طفل حسب المقولة (... فيقول الحجر هنالك يهودي....). وقطر بدعمها لجماعات كهذه تؤخر امكانية استيعاب تلك الجماعات لقصور فكرها وتعمل على نقده من اجل فكر يستوعب مرحلة التحولات الانية. والمجتمع الدولى يدرك عقيدة الابادة تلك التي تقوم عليها جماعات مثل حماس او حتي ايران ولذلك يتكتل ضدها. فتلك الجماعات عندما تلجا الى المجتمع الدولى ليس عن قناعة بوجود الاخر المختلف وحقه في الحياة، ولكنها تعمل بمفهوم فقه التقية الذي هو والغاية التي تبرر الوسيلة سواء، ولا تسعي حماس الى حل مع اسرائيل ولا تريد ذلك الحل ولكنها تستثمر في الزمن من اجل اكتساب القوة التي تمكنها من ابادة اسرائيل او حتى ابادة العالم بناء على ذلك الفكر. ولا تفكر حماس ولا الجماعات التكفيرية الاخرى بخسائر الحرب التي تحدث من جهتها، فعندما نرى نتيجة الحرب الاخيرة نجد ان حماس استطاعات ان تقتل بضع عشرات من الجنود الاسرائيلين وعدة افراد مدنيين داخل اسرائيل، وذلك يرضي عقيدتها القتالية القائمة على الابادة ولكنها بالمقابل لا تنظر الى خسائر الشعب الفلسطيني الذي تختبيء داخله، فمن يتحمل خسائر الارواح البريئة والمنازل وغيرها. من الجانب الاسرائيلي نجد ان اسرائيل حققت اهدافها من هذه الحرب ولذلك لجات الى الهدنة الحالية، فاستطاعت اسرائيل ان تقلل من مقدرة حماس الحربية وعملت على انشاء بعض الازمات المستقبلية متمثلة في الاطفال اليتامي والمنازل وغيرها حتى تشغل حماس بعض الوقت عن محاولة اقتناء الاسلحة وتوجيه المساعدات نحو الافراد. وبالتالي نجد ان الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني الذي يوجد لتلك الجماعات الحاضنة المناسبة حتى ترضع من ثديه ولكنها للاسف جماعات لا تعرف رد المقابل الا بنكران الجميل فمنحت اسرائيل السبب من اجل ان تقوم بقتل كل تلك الاعداد. في حين ان تلك الجماعات في المفاوضات الحالية تبحث فقط عن اسراها عند الجانب الاسرائيلي. واذا لم يستوعب الانسان الفلسطيني تلك الازمة فستكون حياته على هذا المنوال، افتخار من حماس بقتل بضعة اسرائيلين في سعيها نحو هدفها النهائي وهي ابادة اسرائيل ثم التفرغ لبقية الكفار، استمرار اسرائيل بشل مقدرة حماس بقصف القطاع بين كل فترة واخرى، ونواح من جانب الفلسطينيين على كل القنوات. على النخب الصاعدة ان لا تضلل نفسها بمسمي الاسلام السياسي الذي انتجه الفكر العربي حتى يبقي على الساحة نتيجة لعدم وجود فكر اخر للثقافة العربية، فمن قال بدار اسلام ودار حرب هو الفكر العربي المسمي زروا اسلامي ومن قال بقتال كل الكفار هو الفكر العربي القاصر عن استيعاب الارشاد الالهي ومن قال بقتل كل اليهود الى اخر طفل فيهم هو الفكر العربي الذي تم تصديره باعتباره ارشاد الهي، ولذلك فالازمة الحقيقية مع تلك المفاهيم الصادرة عن الفكر العربي والتي تمنح جماعات مثل القاعدة وغيرها الشرعية بانها جماعات اسلامية، فكل مقولات الاسلام السياسي هي مقولات الاسلام حسب الرؤية العربية، وحتى نبرئ الارشاد الالهي من جرائم هذه الجماعات علينا تفكيك الفكر العربي المتدثر بالرسالة من اوله الى اخره، فلا قدسية للطبرى وابن كثير حتى يفسروا الارشاد بالانابة عننا ولا قدسية للاحاديث التي ندرك جميعا كيف جمعت، ولا قدسية لابن تيمية وغيرهم من الذين سطوا على الارشاد الالهي. ويجب ان ندرك اولا واخيرا اذا لم يكن للرسول حق اجبار احد على الايمان او الكفر فلا يمكن ان يمتلك غيره من ابتاعه ذلك الحق مهما بلغ من العلم (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)). [email protected]