مدخل: رغم اهمية المداخلات وفائدتها واضافتها للنص الا انها لم تصل بعد الى حد كسر حاجز الخوف الذي قامت بتشيده الانسانية على مر تاريخيها في علاقتها بالاله المتعالي، فاتمني مزيدا من الحيوية اتفاقا او اختلافا فليس ذلك هو المهم ولكن المهم هو الدخول الى عمق النص الارشادي الكلي وعلاقته بالجزئي الانساني، فشكرا مرة اخرى على كل المداخلات اذا كانت على النص او على الايميل وقد ارسلت المقالات الى الذين قد فاتتهم وتحديدا الجزء الاول والثاني على حسب طلبهم واتمني ان تكون قد وصلت. الاخر الضد في الارشاد الالهي: الاخر الضد في الارشاد الالهي هو كل اخر يفرض ذاته وفكره بالقوة ولا يدع الاخرين كافراد او مجتمعات او ثقافات ليمارسوا ما يرونه صحيحا. اي ان الاخر الضد يمكن ان يكون من داخل الذات الكلية اي من اقرب الاقربين وهذا ما يحدث دائما نتيجة لمقاومة المجتمعات للتحول (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23))، او يمكن ان يكون من الاخر المختلف. فاذا كل من يفرض ذاته ورؤيته على الاخرين يعتبر اخر ضد ويجب الرد عليه (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)). اما اسواء اخر ضد فهو الذي يقول انا ربكم الاعلي اذا كان في ذاته او في رؤيته باعتبارها تمثيل للاله ولا يرضي للاخرين باتباع رؤي غيرها فيضل نفسه ويتسبب بضلال الاخرين، وذلك لانه لا يؤمن حتى عندما يجد ان رؤيته قاصرة عن الاستيعاب (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)). ففكرة الايمان اذا هي استيعاب معني الارشاد الالهي في الذات الكلية والاخر المختلف والاخر الضد والاله المتعالي، لذلك المؤمن بذلك الارشاد لا يعتدي على الاخرين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87))، فالمؤمن هو شخص استطاع تجاوز قصور الاخرين في الاستيعاب ويحاول ان يقودهم كذلك الى تجاوز قصور ادراكهم (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)). وما يقودنا الى مناقشة الفكر العربي وكشف بعده عن الارشاد الالهي رغم عدم حاجتنا لذلك لعدم ايماننا به هو قيادته لكثير من الناس الى الكفر بالارشاد وعبادة ذلك الفكر واصنامه التي خلقها بنفسه ويكفي ما يحدث في كل الدول التي تسمي اسلامية لندرك عبادتها لاصنام الفكر العربي وليس للارشاد الالهي. فلم يتغير اصل الدعوة في انها دعوة ارشادية ولكن تغير تعامل الاخرين معها برفضها ومحاربتها فالحرب اذا فرضت على اصحاب الدعوة (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، اما الدعوة في ذاتها فقد بقيت كما هي ارشادية والمؤمن بالدعوة هو انسان ارشادي يبحث في كل فعله عن الارشاد لانه الاعلى فكرا ووعيا (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)). فاذا كنت مؤمنا حقا فانت لا تبحث عن الفوز ولكن تتمسك بالمبادئ حتى تثبت للاخرين حقيقة تلك المبادئ التي يمكن ان تضحي من اجلها، فانت تسعي الى ارشاد الاخرين حتى في طريقة وفاتك ولا تسعي الى قتلهم لتقول انك على صواب (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)). فالشهيد هو الانسان الذي حتى وفاته كان شاهدا على كمال الارشاد الالهي وبطلان الاخرين. الفكر العربي: نسبة لقصور النخب عن القيام بدورها الحقيقي كما ذكرنا سابقا ومجاراتها للوعي المجتمعي، فكل الذي فعلته النخب العربية هي استبدال المفاهيم المجتمعية بمفاهيم من داخل الارشاد الالهي وبقي المعني كما هو، ولان المجتمعات لا تدرك مفهوم الاخر المختلف فهو اما ذات او اخر ضد، فقد قام الفكر العربي باتباع خطي الوعي المجتمعي وعمل على استبدال مفهوم المجتمع العربي بالمجتمع المسلم واضاف للمجتمع المسلم كل القيم والعادات العربية وقال بان بقية المجتمعات هي عبارة عن اخر ضد كافر ولانهم يدونون للوعي المجتمعي وليس للارشاد الالهي فقد قالوا بان الله امرهم بمحاربة كل الاخر الضد. فالنخب العربية لم تكن تسعي الى استيعاب الارشاد ولكنها سعت الى تدوين الوعي المجتمعي، لذلك لم تستوعب مفهوم الاسلام والايمان ولم تدرك ان من اليهود والمسيحيين وغيرهم يمكن ان يكون هنالك مسلمين مؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)). وقامت النخب العربية بادخال ذلك الوعي المجتمعي داخل الارشاد الالهي من خلال اخراج ايات خارج سياقها التاريخي واللغوى وبتفتيت الارشاد الالهي بالناسخ والمنسوخ وفقه التقية وبعض الاحاديث التي الغت بها الارشاد دون استيعاب لوحدة الارشاد الالهي، فسورة براءة او التوبة واية السيف تحديدا (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)) نزلت في اهل مكة الذين حشدوا كل مشركي العرب من اجل محاربة الدعوة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)). فليست هي دعوة الى محاربة كل الناس كما يفهم الوعي المجتمعي الذي يري الاخر كاخر ضد فقط، ولكنها دعوة الى محاربة من بدا بالحرب واصر عليها، وحتى تلك الحرب كانت تقوم على التقاليد العربية بعدم خوض الحرب في الاشهر الحرم، بل واكثر من ذلك وهو عدم استخدام الخدع وغيرها في تلك الحرب لان الغرض الاساسي هو الارشاد وليس القتل (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58))، وهنا ياتي الارشاد بمعني عدم الخيانة والغدر، وتجاوز التدوين العربي كل ذلك وقال بان الحرب خدعة في اعادة لمفاهيم الوعي الاجتماعي في صورة تعاليم الهية. وقد احتال الفكر العربي نتيجة لقصور النخب العربية على الارشاد الالهي في علاقته مع الاخر من خلال العهود والمواثيق، فكما قالت اليهود من قبلهم بان الاله قد جعلهم فوق الاميين ولذلك يمكنهم ان ينقضوا العهود معهم متى شاءوا وان يغدروا بهم وغيرها من الممارسات اللا اخلاقية (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)). قالت العرب ايضا بفقه التقية وتم نسبه الى الاله لتتم من خلاله كل الممارسات اللا اخلاقية باعتبارها تعاليم الهية، وتم استخدام الرسالة لتمرير ذلك الوعي القاصر فقالوا ان جميع العهود مع الاخر قد الغيت زمن الرسالة (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)). رغم ان الارشاد الوارد لا علاقة له بما يقوله الفكر العربي الا اننا نجد ان الكل يعبد الفكر العربي ويترك الارشاد الواضح في علاقة الذات مع الاخر المختلف، فالارشاد لالغاء العهود جاء لعهود محددة ونتيجة لفعل الاخر وهم مشركي العرب الذين كانوا يغدرون ويخونون ولا يحفظون عهد او ميثاق (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8))، ولان التدوين العربي كان للوعي الاجتماعي وليس للارشاد الالهي لذلك نجد ان افعال من يسموا انفسهم مسلمين هي افعال ذلك المجتمع في الغدر والخيانة وعدم حفظ العهود، وكما قالت اليهود انه امر الهي قال الفكر العربي انه امر الهي ايضا، ويتساوى الجميع في عدم السعي الى استيعاب الارشاد. فالمؤمن بالارشاد الالهي هو اكثر الناس حرصا على الوفاء بالعهد وعدم نقضه من اجل دفع الاخرين الى الالتزام بالمبادئ ومحاولة السير في طريق الارشاد (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)). [email protected]