البروفيسور عبد الفتاح عبدالله طه لم اكن متحمسا للكتابة فيما يدور بارضنا التى نشأنا و ترعرعنا فيها و اكتفيت بمشاركة اخواني و اهلي في المنطقة في النقاش و تبادل الاراء لاني كنت و ما زلت اعتقد بان امورا بهذا الحجم لا تتم معالجتها بالصحافة(التى لاتبدع و لا تأتى بمبادرات للحلول فى عالمنا الثالث لاسباب لا نحتاج للاسهاب فيها) رغم أنهاّ هى التى تسقط الحكومات و تجبر الرؤساء على الاستقالة فى الانظمة الديمقراطية... لقد كتبت كثيرا عن الشمالية و النهضة الموعودة و التنمية من واقع الحال فالتمييز بين الخاص و العام شرط اساسي فى العمل العام وليس هناك أجماع على فكرة عبر التاريخ وبالتالى فان نطلب من الناس الاجماع علي عمل او فكرة فهو عين المستحيل رغم تمنيات الشاعر ( فلا هطلت علي ولا بارضي سحائب ليس تنتظم البلاد) ...و كان لا بد من توثيق الموقف للتاريخ .... و لذا وجدت نفسي في وضع يتطلب ابداء الراي بما نرى كمساهمة قد تجد القبول .. من المتفق عليه في الشان العام و الخاص انه كلما كان اشراك المعنيين بالامر المعنى من امور الحياة كلما كانت النتيجة افضل و هذا ما يعرف في التاريخ المعاصر بالمشاركة المجتمعية الشعبية و يتداول هذا المصطلح كثيرا في دوائر المنظمات و المؤسسات العالمية و هو جزء من مفهوم تاسيس و تقوية مبدا مساهمة المجتمع " participatory approach ."... و بدات الدنيا تهلل للاكتشاف العظيم ( اما نحن المسلمون فقد سرنا في القافلة مهللين و نسينا او تناسينا بان مفهوم المشاركة هذا مبدا اسلامي وضحه الله سبحانه و تعالي في كتابه الكريم في سورة الكهف و هو باختصار شعر القوم بعدم الامان ( المشكلة ) لوجود ياجوج و ماجوج المفسدين في الارض .. ثم فكروا ( و اعملوا ) عقولهم و توصلوا الي مقترح للحل ( السد ) .. و من ثم طرحت الفكرة لذي القرنين الذي بدوره راي ضرورة مشاركتهم ( في المشروع ) فكان الذي كان بتعاون الداعم ( مثلا حكومة , منظمة ) و اشتراك المستفيدين ( the beneficiaries ) نعود للسدود كجبار و دال و المشاكل التى تفجرت و لم تهدا بعد فى مجتمع عرف عبر التاريخ "بالرضا بما قسم الله " و السعى للرزق الحلال فى اركان الدنيا ... و اخطر الافرازات هو ما جدّ علي النمط الاجتماعي السائد فى منطقة المحس و سكوت و حلفا و ذلك بالانشقاق الذي حدث في المجتمع بصورة لم نالفها و كنت من الذين يدعون باهمية اجراء الدراسات السياسية و الاجتماعية فالحياه ليست كلها اقتصاد, وهناك فرق بين النمو و التنمية فالاخيرة تعني ان البعد الانساني متضمنن في النشاط .... (و الانسان هو هدف التنمية و وسيلتها) كما يقول البند الثاني من مبادئ الثورة اليمنية الستة فى بلد تعتز (بالايمان يمان و الحكمة يمانية) و بالطبع قالها غيرهم و لكني و بدون تردد منحاز و متحمس لليمن ... كان لابد من أجراء دراسات علمية بجهات محايدة و باشراك المعنيين , وحين تقتنع الاغلبية بقيام السد من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية فعلي الاقليه القبول والانصياع لرأى الجماعه (فرأى الجماعه لا تشقى البلاد به...الخ)..ولهذا رحبنا بزيارة الاخ الوالى السابق عليه الرحمة (وهو رحمه الله ذاق و عاش مرارة التهجير القسرى) لمنطقه كجبار فى أول زياره له خارج دنقلا وخاطب الناس بوضوح شديد مشيرا بأن قرار إلغاء السد ليس من صلاحياته ولكنه عاهد الناس على إجراء الدراسات وإشراك الناس ثم العمل والقبول بالنتيجه... وكان ترحيبنا به لكونه أحدث تغييرا كبيرا فى إسلوب الاداره السابق كما كانت تأتينا الاخبار من هناك( السد حيقوم كان ترضو أو تابو)... ثم أننا تعلمنا من الرسول المعلم الاكبر (ص) بحسن التعامل فى المسائل التى تمس حياة الناس خاصة هؤلاء الذين يعتقدون (صوابا أو خطاء) بأن ضيما قد لحق بهم...( ربيناهم صغارا وقتلتوهم كبارا) كما قالت أمرأه للرسول(ص) الذى لم يغضب بل إعتبر الموضوع فى إطار الحاله النفسيه التى كانت عليها الام وكذلك واصل خلفه فى نهجه الذى رباهم عليه ....لا سمع ولا طاعه... إلخ للخليفه عمر بن الخطاب(رضى الله عنه) الذى أوضح الموضوع بهدوء و دون تخويف...و كطبيعة البشر هناك المؤيدون و المعارضون للفكرة وكان رأيى أن الفئتين ( قد وضعوا الحصان قبل العربه) فالمؤيدون فعلوا هكذا على بياض أو ربما للالتزام الصارم للحزب والمعارضون كذلك لم يقفوا على الأمر وفى غياب الدراسات والحيثيات ربما غلبت عليهم العاطفة وصعوبة هضم الهجرة إلى المجهولخاصة وهم يتعايشون لما حدث لاخوتهم فى حلفا..ثم وصلتنا الأنباء (روايات) عما يدور هناك وسمعنا أحاديث نسبت للمسئولين لا نري ضرورة سردها خاصه حيث أنه حين تتحكم العواطف ( المناهضين) والسلطه (المسئولون) فإعادة روايه الاحاديث قد لا تفيد كثيرا... ان قيام السدود في كل الدنيا غربها و شرقها يقابل بالرفض من المتاثرين و لكن لان قيام السدود قد تكون ضرورة علي مستوي الوطن و لا مناص من قيامه درج المسؤلون في كل الدنيا بالتفاهم مع المتاثرين .... و قامت منظمة تعني بالامر هي "المفوضية الدولية للسدود" و التي من موجهاتها الاساسية: - القبول و الاقناع ثم الاقتناع لدي المتاثرين ..والاعتراف بحقوق المتاثرين ماديا و معنويا و تحديد نصيبهم من الفوائد التي تعود من السد يعني مساهمين في المشروع ( stakeholders )- الشفافية و اشراك الناس في كل المعلومات المتعلقة بمشروع السد (information sharing ) )..اشراك المعنيين بقيام سد ما في مكان ما يجب ان يكون نقطة اساسية...فلنطرح بعض التساؤلات كيف يرى الانسان أى إنسان حين يجد نفسه مضطرا لمغادره منزل(إيجار) قضى فيه وأسرته سنه, سنتين, عشر سنوات دعك من إنسان يغادر موطنه ومرتع صباه وأجداده وأصوله فى المقابر تحت الماء..ألا يتفق معي القارىء وقبله المسئولون بأن هذا الموقف (صعب) تنتج عنه الانفعالات النفسيه الغير متوازنه.. وليس من المعقول أن يتم وصف هؤلاء الناس(بالطرشان)فى الزفه وأن وراء إنفعالاتهم قوه أجنبيه تتامر على السودان أو يحركهم الحزب الشيوعى وأتمنى أن يخرج هذه الروشته من برنامج العمل السياسى فالقوه الاولى لها ألف طريقه وطريقه وقطعا من خارج أرض المحس والمجموعه الاخرى هى الشماعه التى تعلق عليها كل حركه لقفل باب النقاش.. والشيوعيه لعبت دورها فى حقبه من حقب التاريخ- مرحله التحرر الوطنى - والتوازن فى العلاقات الدوليه بعد الحرب العالمية وإعاده ترتيب الدنيا وأصبح فى زمة التاريخ بخيرها وشرها... ثم إنه من غير المقبول أن يصفنا بعض الاخوة الصحافيين (أستاذ الطاهر ساتى مثلا)بأن المحس ضد التنميه ..و السؤال البديهى لهؤلاء هو كيف يكون شعورك حين يتم قرار بإزاله مسقط الراس و مرتع الصبا من الارض (خاصة حين تكون الاسباب مجهولة كما هو الحال بالنسبة لكجبار أو غير مقنعة او للمساعدة فى تنمية منطقة اخرى ليست لنا مصلحة مباشرة منها.. أعتقد أن أول رد فعل سيكون عاطفيا ومربكا ورفضا خاصه إذا كان أهل المنطقة المرشحة للزوال لا يعرفون ماذا يخبىء لهم القدر و قد يتذكرون مأساة أشقائنا الذين فرضت عليه التضحية لمصلحة جهات اخرى... فأن يطلب من زيد أن يقدم التضحيات من أجل عمرو( هكذا على المقفول) فلابد أن يحدث بعض المواقف الرافضة والتى لا تعالج بهذا الاسلوب إنما بالجلوس حول الطاوله للدراسة و المناقشة فى جو يكفل الحريه والحق فى إبداء الراي وحين تصل الاغلبيه الى قرار فعلى الاقليه الالتزام به . ان التردد و الرفض او الاضطرار لمغادرة مسقط الراس فطرة إلهية ليس في البشر فقط و لكن حتي الحيوانات تتردد و ترفض مغادرة المكان التي نشات فيه , فلناخذ ( الكديسة- القط مثلا- فانها تعود الي المنزل الذي عاشت فيه حتي لو ابعدتها مسافات تصل الي 20 – 30 كيلو متر ... ان الاصل فى اى عمل المبدأ وجود طرفين : المستفيد الاول والثاني و كذلك المتضررين و علي ضوء هذا تعالج المعادلة بوجود طرفين ,هل تتذكرون معادلات الجبر في المرحلة الثانوية التى تعلم الطلاب حل المسائل التي تحتوي علي مجهولين... طرحت لبعض الاخوة فى المناطق المجاوره فكرة إعادة توطين أهلنا فى منطقه أ او ب او الاثنين معا لاسباب أسهبت فى شرحها فى الشمال ... وكانت الاجابه الغريبه(أن ناس .... شرسين ولا يمكن أن يقبلوا بهذه الفكرة... (طيب ناس المحس الما شرسين يروحوا ساكت كدة) ويكرر التاريخ مأساة إخواننا الذين هاجروا الى خشم القربه(عنوه) والآن يكافحون للعودة الى المنبت بشعار حلفا تعيد سيرتها الاولى وبالطبع نشكر حكومة الولاية بأن تفهمت الحاله وبدأت فى تقديم المساعدة في اتجاه (العودة الى الجذور) كما يقول الكاتب الامريكى الافريقى اليكس هيلي ..ان تضحي بالتاريخ و بالأرض و المنبت ليس أمرا سهلا و بالتالي فالناس هناك يحتاجون لتفهم شعورهم و تقديم البدائل المناسبة لكن ليس بعد 50 عاما من الاطماء و تكوين اراضي جديدة كما هو الحال في ارقين و جمي و عكاشة... و هذا يتطلب: التعامل مع الناس بعقل مفتوح و بعيد عن الاتهامات و بالمساواة مع الطرفين.. اجراء الدراسات و عرضها علي المعنيين قبل قفل باب الحوار..اشراك الناس في ايجاد و دراسة البدائل و التعويضات المجزية المرضية للمعنيين..و الاصل في الموضوع اقناع الناس بالطروحات المختلفة فاذا ارتضت الاغلبية فعلي الاقلية قبول النتيجة..ليس من المنطق أن نطلب من عمرو أن يضحى من أجل زيد ..هكذا دون أقناع وأقتناع .......و الحديث يطوووووووووول و الله المستعان...و علي كل حال (هب جنة الخلد اليمن لا شئ يعدل الوطن – الصغير أو الكبير-)...و حين يتعلق الامر بالانتماء للارض يجب ان يظل باب الحوار مفتوحا و للمعنيين القول الفصل ما لم يمس الامر مستقبل و وجود الوطن.... ونختم المداخلة بأن اهلنا هناك يعيشون حالة من القلق و" الحيرة" واصبحوا ضحايا الاجتهادات و الاشاعات حيث تتعرض نخيلنا للحرائق بالالاف و كان الله فى عونك اخى المعتمد فالمسؤولية كبيرة ولاهلنا العشم و الاتكال عليك بعد الله سبحانه و تعالى..... [email protected]