كانت أم الصديق رغم تقدم عمرها تعتني بزوجها أبو الصديق وتسهر على راحتة وتبذل كل ما في وسعها لتوفير الراحة له، وكانت غيرتها على أبي الصديق وخوفها منه على الزواج عليها يمثل لها هاجساً وقلقاً دائمين بالرغم من بلوغه سن الشيخوخة، و كانت دائماً تردد " الرجال ديل ما ليهم أمان حتى لو تكرمشت الجبهة وقام الصوف في الأضان". تحت إصرار ولدها الصديق ، وافقت أم الصديق على مضض أن تذهب معه إلى الفاشر حيث كان يعمل بالتجارة لتقضي معه أياماً لزوم القيام ببرها والأنس بطيب حديثها وليستمتع أبناؤه بعذب حكاويها ونوادرها. في جلسة لطيفة تحت ظل شجرة كبيرة وكانت الأرض "مرشوشة وريحة البخور ضاربة والجبنة مدورة والونسة ظريفة" ، أطل عليهم فجأةً ابن أخيها القادم من البلد، سلم على الحضور وقام " بمقالدة" عمته وهمس في أذنها مداعباً : " إنت قاعدة هنا مبسوطة مع ولدك وفنجان جنبتك قدامك وبخوركم طاق وعمي أبو الصديق بي هناك خطب وعقده يوم الجمعة ". إنزعجت أم الصديق وتغير وجهها وأصرت على السفر للبلد وحلفت بألا تبيت الليلة في الفاشر. إصرارها على السفر ، جعل ابن أخيها يندم ويتحسر على مزاحه وليطمئنها حلف لها بالطلاق" طلقانة مرتي بالتلاتة كلامي دا مزاح ساكت". لم تصدق كلامه ، فأقسم لها بالله العظيم" أن هذا الكلام غير صحيح وإنما قصد به المزاح والمداعبة ، لكن أم الصديق أصرت وألحت على السفر وقالت له:" كل شيء ولا الهزار بالعرس ، دا كلام ما فيهو هزار، والعود كان ما فيهو شق مابقول طق". لم يفلح جميع الأجاويد في ثني أم الصديق عن رأيها . وتحت إصرارها لم يكن هناك حل سوى النزول عند رغبتها . وحالاً ذهب الصديق إلى موقف الباصات ومن حسن الحظ أن وجد باصاً في طريقه إلى أم درمان. سافر الصديق مع أمه ولما وصلا إلى البلد إستغرب والده وأخوانه وانزعجوا لمجيئهما المفاجيء. فقص عليهم الصديق قصة أمه وإصرارها على السفر فضحك الجميع وتعجبوا من شدة غيرتها. لم يمض إسبوع، وأصاب المرض أم الصديق، فقالت: " نادو لي أبو الصديق" فلما حضر قالت له: " أسمعني كويس المرض الجاني دا ما فاكني، وياهو دا مرض الموت، فدحين دايراك بعد ما أموت تغسلني كويس، وتكفني كويس وتمشي قدام الناس في جنازتي، وتنزلني في القبر بي شيش وتوسدني طوبة تحت راسي، وبعد داك تعدي ليك إسبوع واحد بس وسكتت"، قام أبوالصديق قال ليها أها بعد الإسبوع دا أعرس؟ "ترترب" قامت على حيله وقالت ليهو بحرقة"تعرس ركبيك" ، "قام قال ليها أها أعمل شنو بعد الإسبوع؟" قالت ليهو: " طوالي تجيء لا حقني،" فضحك أبو الصديق وجميع الحاضرين وقال لأولاده :" شوفوها المطرطشة" يعني أضرب نفسي طلقة ولا كيفن الكلام دا؟ قالت ليهو: "تضرب نفسك طلقة ولا تطعنه بسكين المهم تجي لاحقني طوالي وما تعرس". ومن الغيرة ما قتل . إسحاق بله الأمين [email protected]