*(إن برميثيوس لن يتراجع عن البوح للناس بالأسرار.).. .. يقال:(ثلاث لا يمكن الإفلات منهن: الموت والضرائب والذباب) وفي بعض الحضارات كانوا يعدّون الذباب آفة: الآشوريون يقدمون له القرابين والإغريق يقدمون له العجول. وهزمتني ذبابة جرّتني مرغماً إلى صراع معها: داهمتني من أمام، كششتها فعادت من خلف، كششتها فتسللت من يمين، شددت على أسناني وكششتها فعادت من يسار تمنيت لو أنها حطت على ظاهر يدي لعلّي اصطادها بخفة ومهارة كما فعل الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقطة عرضت على شاشات التلفزيون رآها العالم بأسره وتذكرت بيت جرير يهجو بني نمير: ولو وُزِنت حلوم بني نمير على الميزان ما وزنت ذبابة وصارت الأسئلة تتراشق عليّ والفضول يدفعني للبحث عن إجابات: هل الذباب وجد تلقائياً في أميركا أم إنه هاجر إليها بالبواخر عبر المحيطات؟ وهل اصطياد الذباب عادة يتعودها المرء منذ الصغر إذا نشأ في بيئة ملوثة؟ إن كلمة «الذبابة» تطلق على الذكر والأنثى وجمعها «ذباب» وموطنه الأمثل هو القاذورات على حواشي المدن والأرياف ينمو ويتكاثر فيها، فإن الأنثى تضع (86) ألف بيضة يومياً، وهو النوع الوحيد من المخلوقات الذي يمارس الجنس وهو طائر، والذباب يغزو البيوت وينقل إليها أكثر من 600 مرض، ورغم أن الذبابة من أضعف المخلوقات وأحقرها شأناً، فإنها أشدها جبروتاً وفتكاً ومكراً فقد دخلت أنف النمرود ملك الكلدانيين وراحت تنخره وتئز أزيزاً هزّ كيانه، أمرهم أن يصفعوه فصفعوه لكنها عصيت على الخروج، أمرهم أن ينهالوا على رأسه بالمطارق فانهالوا حتى قضى نحبه وسلمت الذبابة. وخطر لي هذا السؤال: أليس للذباب منافع؟ وبعد التقصي تبين أن الأطباء يستخدمونه لمعالجة بعض الأمراض المستعصية وقد طُبّق بنجاح في ألمانيا وكندا وبريطانيا وأميركا، إذ تتم المعالجة بيرقات الذباب التي تتقززها النفس فهي تلتهم بشراهة الأنسجة المتنخرة والبكتيريا وترشف القيح وما حوى فإذا بالجرح الذي لا يشفى بسنوات يلتئم بعشرة أيام، وإذا بالرائحة القبيحة تختفي والدودة التي لا يزيد طولها على مليمترين يتضاعف حجمها خمس مرات بفعل الأكل الشره من مخلفات الجرح؟ ودود الذباب قبل أن يفقس البيض ويغدو ذباباً طائراً يقوم بالتهام الأنسجة الميتة وارتشاف القيح وإفراز عصارات هاضمة فيها هرمون يكسح البكتيريا بأقوى من أغلى مضاد حيوي، ويستطيع أن يجعل الجرح يتحسن خلال عشرة أيام وقد عجزت عن شفائه العقاقير الطبية والمطهرات وخاصة في القراحات السكرية التي تصيب القدمين إصابات مستعصية خطيرة. [email protected]