علي ما أذكر في ثالث أيام عيد الفطر المبارك استضافت قناة الشروق الدكتور حسن الترابي وكان موضوع الحديث عن تجديد الخطاب الديني وتفسير القرآن بمقتضي الحال وليس بمقتضي التنزيل – وقد تمت إعادة هذا اللقاء ثلاث مرات ! ومنذ الحلقة المشار إليها آنفا ضجّت الأفكار في رأسي لسببين : أولاهما أن حديث الرجل بارع ومرتّب مسبقا وبليغ جدا ( وغير مقنع البتّة ) وذلك لأسباب كثيرة جدا ليس أحدها الحديث في حد ذاته – ثانيها : في ظني أن الرجل غالبا ما يدس السم في العسل ! ويدس الفكرة المعنية ويغلفها بطريقة ذكية ومريبة بحيث تمر مرور الكرام في خضم الحديث والابتسامة الشهيرة وتنطلي الحيلة علي الغالب وتنقلب لحقيقة . قيّض الله لي أن شاهدت اللقاء الثلاث مرات التي تم بثه فيها , وذلك أيضا مريب ! لأن مقدم البرنامج ذكر في اللقاء أنه حلقة من لقاءات في ( إعادة فهم القرآن ) . من شاء فليرجع للقاء المذكور في قناة الشروق الفضائية . ولكن خلاصته أن الخطاب القرآني يجب إعادة فهمه من الناحية الخطابية ومن ناحية المعني وضرب الترابي مثلين لذلك فقال : عندما يقول القرآن يا ايها النبي – في زمن التنزيل كان النبي عليه الصلاة والسلام حاضرا والخطاب مباشرا – ولكن الآن النبي الكريم غير موجود فبالتالي يكون الخطاب موجه لنا أو لبعضنا مثلا – المثال الثاني : عندما يقول القرآن الكريم ( يا نساء النبي ) فمثل ما سبق , وبما أن نساء النبي غير موجودات الآن فيكون الخطاب لنساء القادة مثلا والزعماء والشيوخ و ..... إلخ , لا تتبرّجّن , فعلي نساء الزعماء مثلا والقادة أن لا يفعلنّ ذلك ويكنّ قدوة حسنة , فلا تأتي امرأة وتقول أن امرأة الزعيم تفعل كذا وكذا فسأفعل مثلها ,,,,,,,,,,,,, . فجأة ينعرج الحديث نحو الهداية وأن الدين و القرآن للهداية , وأن الناس تخطئ وتصيب وعليهم أن يقّوّموا من أنفسهم (( و )) حتى الرسول صلي الله عليه وسلم الله عزّ وجل خاطبه قائلا (( ووجدك ضالا فهدي )) .؟ وهنا بيت القصيد ومربط الفرس ودس السم في العسل لأن الحديث الذي تبع ذلك دار حول تقويم مسار الانسان وإصلاح تجاربه مهتديا بفهمه الجديد والمتطور للخطاب القرآني وهديه . ؟ ضع ما بين النقطتين والإستفهامين أعلاه ألف خط وأعد قراءتهم مرات لتخرج بفكرة (( التبرير )) أو (( التحلل )) أو أي كلمة مستحدثة تعني ( عفا الله عما سلف ) ! ومن ثم يوصلك هذا الرجل إلي ما يريد وأننا قد ( اجتهدنا ) فإن اصبنا فلنا ( أجران ) وإن ( أخطأنا ) فلنا ( أجر ) واحد !!! ولا تذكره بالدمار والخراب والدموع والظلم والعسف والفساد والدماء ( فهو وغيره مأجورين ) وإن كان أجرا واحدا !!! . وبالتالي فإن تجربتهم في الحكم ما هي إلا ( إجتهاد ) لأنهم بشر والبشر يخطئ ويصيب ولأنهم بشر من صنف آخر غير ( صنفنا ) فلا تثريب عليهم وفي كلتا الحالتين لهم أجرهم . ألم اقل لكم في العنوان أن الحديث بليغ ولكنه (( غير مقنع البتّة )) !!! . وتأتي المصيبة الكبري والداهية العظمي في إقحام آيات الله في غير موضعها ولي عنق تفسيرها لتتناسب مع ( الفكرة الخبيثة التبريرية ) وتأتي ب (( ووجدك ضالا فهدي )) وتلبّس علي الناس معني الضلال ( وأنت تعلم جيدا ) تعدد معني الكلمة وتفسيراتها أيها ( الشيخ ) . فرسولنا الكريم ما كان ضالا ( الضلال ) الذي رميت إليه . فحاشاه عليه ألاف الصلاة والتسليم , رسولنا يا شيخ خاتم الأنبياء وإمام المرسلين , رسولنا يا شيخ حسن النور الذي هدي به الله عزّ وجل الانس والجن – يا رجل أما قرأت سورة مريم ؟ عيسي عليه ماذا قال حين اشارت إليه أمه الصديقة مريم وهو في المهد – ( قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا ) نطق وقال ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) وهو في المهد – فهل كان رسولنا وهو في الأربعين من عمره ( ضالا ) كضلالك الذي عنيته ؟ لا وألف لا , وحاشاه نبي الهدي والرحمة صلوات ربي وسلامه عليه . أبحث أيها الترابي عن ريش آخر تواري به سوءاتكم – وتبرير آخر لضلالاتكم , وأنت تعلم أن الضلال له معاني كثيرة وإليك وأنت تعلم !! وإلي ( غيرك ) بعضا من هذه المعاني وفي القرآن الكريم نفسه :- 1- ضلال بمعنى النسيان فى نحو قوله تعالى : في سورة البقرة 282 و موضع الاستشهاد هو : " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى " 2- ضلال بمعنى الغفلة فى نحو قوله سبحانه على لسان سيدنا موسى عليه السلام لفرعون في سورة الشعراء الآية 20 : " قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ " 3- ضلال بمعنى المحبة فى نحو قوله عز وجل على لسان أولاد سيدنا يعقوب : في سورة يوسف الآية 8 : " إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أى فى حب مبين ليوسف ، وهو المشار إليه فى قوله تعالى على لسانهم أيضاً : في سورة يوسف الآية 95 : " قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ " " وكذلك قوله سبحانه على لسان نسوة المدينة :في سورة يوسف الآية 30 : " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ "أى حب مبين ليوسف عليه السلام والحق عزّ وجل قد زكّي نبيه الكريم حيث :- زكاه فى عقله فقال سبحانه في سورة النجم الآية 2 : " مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " زكاه فى صدقه فقال سبحانه في سورة النجم الآية 3 : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى " وأخيرا تقول العرب ( وحتى ) في بوادي السودان للشجرة الوحيدة في الخلاء والناقة الوحيدة في الفلاة ((((( الضالة ))))) . ونبينا ورسولنا الصادق الأمين كان (((( ضالا )))) أي (((( وحيدا )))) في بحور الجاهلية (((( فهدي )))) الله سبحانه وتعالي به الانس والجن والكون باجمعه عليه أفضل الصلاة والسلام . وآخرا يا شيخ حسن الترابي لو كان نبينا هو (( الضال )) والعياذ بالله لكان الخطاب في ( فهدي ) مثل الخطاب في (( ووجدك )) أي سيكون (( فهداك )) . والحمد لله رب العالمين . [email protected]