والسفر الى الابيض كان يستغرق وقتا طويلا ... طريق (الهوى) تمرد هو الأخر لكل قوانين الطبيعة فأصبح الطريق الوحيد هو شارع كادوقلى الدلنج . الدبيبات ..حينما قررت السفر الى الأبيض كانت تعتمر بدواخلى كل صور تلك المدينة الرائعة والزاكرة الشعبية تعرفها بأنها مديرية السفهاء حينما تصف اب قبة فحل الديوم .. لا اعرف سر التسمية ولكنها مدينة شكلت بدواخلى معالم من الجمال والثقافة عبرت عنها فرقة فنون كردفان التى كانت واحدة من منارات الثقافة والابداع فى كردفان وقد أهدت الأغنية السودانية عمالقة الطرب النبيل والكلمة الرقيقة وعرف الناس لأول مرة اسماعيل موسى ابا الذى كانت اغنياته مزيج من الدهشة والفرحة شوف جمال السودان فى بلدنا كرفان وبركب الكركابه، بتدلى فى أم روابة نهيداً طاعن دابه، جنني وجنن العزابة كنت على موعد مع المدينة يشدنى اليها انفعالات الرائع الحلاج حيث درجنا ان نتلاقى فى مقر فرقة فنون كردفان التى كانت واحدة من ملامح التشكيل الثقافى الكردفانى .. قررت السفر من غير ميعاد مسبق حيث دائما ما استهوى السفر هكذا ..حجزت مقعدى منذ وقت باكر حيث ساعدنى فى ذلك دفعتى فى مراحل الدراسة(كايو) الذى كان يعمل مساعدا (لبص) مشروع التنمية الريفية التى قررت ادارتها ان توظفه اقتصادية فكان دائما الرحلة من كادوقلى الى الأبيض خلال الاسبوع .. كان السفر من كادوقلى الى الابيض معرض للمأساة الأنسانية بكل صورها .. تستغرق الرحلة ثمانية ساعات ..حسمت امتعتى صوب مشروع التنمية الريفية بحى ام بطاح شرق حيث اخبرنى(كايو) بذلك بلكنته المميزة التى يعرفها كل من زامله ..جلست على مقعدى الذى جاورتنى فيه احدى حسناوات المدينة لمحتها بطرفة عين لأستبين ملامحها فالرحلة تحتاج الى رفيق درب..تحركنا صوب نقطة التبلدية التى تجمعت فيها السيارات انتظاراً لحكمدار الطوف ريثما يصدر أوامره النهائية لقواته .. كان السفر خارج كادوقلى لايتم الابالطوف الذى تتوزع مهامه فى الرحلة ..انهى حكمدار الطوف تعليماته ثم أمر جميع العربات ان تسير بسرعة متفق عليها .. تحركنا واتخذ(كايو) مكانه على (التندة) وهو يمنى نفسه برحلة سعيدة .. سائق (البص) كان مغرماً بالفنان زيدان ابراهيم عرفت ذلك منه حيث ان ادم كوارع عازف الساكسفون الشهير فى فرقة زيدان ابراهيم قريبه وسكنا مع بعض فى حى(السلخانة) لذا فقد كانت اغنيات زيدان ابراهيم تشاركنا الرحلة فى بعدك ياغالى اضنانى الالم وعشت مع الليالى لاحب لانغم من لمساتك حنانك خلاص تمينا دور ايام مرة خالية من طعم السرور حاولت ان اجد مدخلاً لمن تجاورنى فى المقعد ولكن كل نظراتى رجعت خائبة .. رددت مع زيدان اهاته فى المقطع لا تسأل مشاعرك ليه عينى بكن يوم ودعنى حبك ولازمنى الشجن رجع الى المقطع حزين ... وجدتها .. قلتها فى نفسى .. شعرت بضيق حينما لامستها ارجل(كايو) الذى كان هو فى اخر تجلياته اخرجت راسى من على الشباك حتى اوشكت ان الامسها ثم طلبت من(كايو) ان يسحب ارجله قليلاً .. شعرت بأرتياح ارسلته الى عيناها .. .وصلنا قرية (الكويك) طلبنا منا جميعا النزول .. اشار الينا أحدهم قائلا اى واحد يقيف قدام شنطتو !! اى شنطة تنزل لينا تحت .فعلنا كما امرنا به .. وقفنا صفنا طويلاً بدأ التفتيش نظر الى احدهم ثم طلب منى ان انتظره بداخل(الكرنق) الذى كان عبارة عن غرفة عمليات عسكرية .ذهبت كما امرنى .. طلب منى ان افتح الشنطة التى كانت عبارة عن (خميس طويرة) وبعض من الكتب التى استعين بها فى الرحلة اخرج كتابا لم يقرأه ثم طلب منى ان افتحه .. فتحته كما طلبت .. تصفحه ثم مده الى بنظرة استغراب . رجعت الى حيث يقف الأخرون .. تم التفتيش ولم يعثر احدهم على شئ .. امر حكمدار الطوف بالتحرك ..(كايو) كان قد احضر بعد من منتوجات المنطقة فهى مشهورة للعابرين بأنتاجها الزراعى الذى يسبق احيانا الخريف .. تحركنا وعاد زيدان ابراهيم مرة اخرى بأغنياته التطريبية اسير حسنك يا غالى فى ريدك كم بغالى اشيل من طبعك انت ويصبح حالى حاىسر ظلت رفيقتى فى السفر صامتة وباءت محاولاتى لكسر صمتها بالفشل تماماً .. استمر الصمت طويلاً وقد سرحت مع اللحن واطلقت لخيالى العنان .. فأحياناً السفر عبر بعض الأغنيات الجميلة غير مرهق .. رسمت بتلك الأغنية تهويمات واشتغل البال بكلماتها .. استرخت هى على مقعدها ولكن(النعاس) فضح فيها(صمتها) . شعرت بيدها تلامسنى استدعيت النوم لحظتها والطريق منعرجاته تفسد أحيانا اى شعور بالتجلى .. وهى فى تلك الحالة تمنيت ان تطول الرحلة ايام وايام وليس ساعات .. حالة من الصمت والترقب انتابت الجميع فنحن مقبلين على حجر (الدليب) .. حجر صغير جدا ولكنه شكل بعبعاً للكل .. صمت البلبل زيدان ابراهيم .. وقام محله شيخاً يخطب فى الحياة والموت .. فجأة شعرت وكأن من فى (البص) فى حالة احتضار .. هناك من اخرج مسبحته وبدأ يكبر بأسم الله .. هناك من يقرأ سورة(يس) بصوت عالى .. رفيقتى كانت فى رحلة مع الأحلام السعيدة .. تركت مقعدها وشاركتنى المقعد الذى بدأ واسعاً ليس لدى استعداد لأن اطلب منها الرجوع حيثما كانت فكل مقاعد (البص) اصبحت مقعداً الجميع ترك مقعده واتجه للناحية الأخرى للجبل .. بدأت ملامح الجبل تستبين من على البعد .. شكله ليس مخيفاً بدأت حركة الاسلحة مسموعة وسط كل ذلك الضجيج .. فجأة يلعلع السلاح ...انحدر (البص)عن مساره تماماً توقف كل السيارات عدا(البص) الذى نستغله فقد واصل سائقه المسير .. المكان اصبح جهنم تماماً ليس هناك اى حديث الكل استسلم للصمت واطلق لخياله الحديث.. فجأة اوقف السائق(البص) وسط غابة مدت اياديها لبعض وتشابكت . ترجل منها وبدأ يسأل الحاصل شنو؟؟؟لم يجاوبه احد فنظراتنا مازالت تنظر للجبال .. نزل من كان على ظهر(البص) وهم يستاءلون فيما بينهم .. هناك من وصفه بالهجوم .. فجأة ظهر(كايو) من على البعد وقد أعياه الجرى .. وصل والكل منتظر من الأجابة .. صمت رهيب (كايو) موجهاً حديثه لسائق البص .. انت مالك طلعت من الطوف ؟؟؟ السائق .. انت ماسامع الضرب دا والهجوم دا!! (كايو).. هجوم شنو ياعمك دا واحد عسكرى فك ليه طلقة بنوع الغلط؟؟؟؟ السائق .. كيف يعنى!!!! (كايو) .. عسكرى شاف ليه قماش فى الزراعة هناك وقال دا (زول) كمان ضرب والطوف كلو ضرب الكل استمع للحديث الدائر مابين (كايو) وسائق البص .. ثم قرر السائق العودة الى حيث الطوف الذى كل سيارة فيه قد سلكت طريقاً ..وبينما الكل يتساءل التفتت الى من تشاركنى فى المقعد بعد ان حركت شفاهها لأعلى ثم لاسفل لوسمحت ممكن تمشى(كرسيك) [email protected]