: البعاتي في الذاكرة الشعبية هو عودة الميت الي الحياة متخفياُ ، وهي فكرة لا اصل لها في الدين ولا العلم . الا ان الحكاوي والأساطير الشعبية تعج بهؤلاء البعاعيت . وتصر والدتي عليها الرحمة أن البعاعيت هم من تيراب البنية ، وهي قصة تحكيها كلما جاءت سيرة البعاعيت . وتقول الرواية أن بنت تركها اهلها من الرسول صلي الله عليه وسلم وتوفاها الله في غيابهم ، وحين عودتهم اصروا علي استلام ابنتهم ، فما كان من الرسول صلي الله عليه وسلم سوى الطلب من الله أن يحيها مرة أخري وهو ما حدث بالفعل ، فأصبح لها احفاد وهم الذين يعودون للحياة ليلاً لإزعاج الأحياء وواضح أن القصة هي من الخيال الشعبي ولا اساس لها من الصحة. وللبعاتي في الذاكرة الجمعية اوصاف فهو لا يتسطيع فتح عينيه ، كما أن حديثه من الأنف واقدامه مثل الحمار ... الخ الأوصاف التي تختلف من منطقة لأخري . في أحد الليالي كنت قادماً من الجرافة بعد الحادية عشر ليلاُ فوجدت قبالة كرري العجيجة فتاة تؤشر بلهفة للسيارات بعد أن توقفت الحافلات ، وكرري تقابل في الناحية الثانية من الشارع معسكرات جيش وارض خلاء وهي منطقة موحشة ومن الغريب تواجد فتاة في تلك المنطقة ، بعد ان ركبت لجواري في السيارة وجدت بعض صفات البعاتي تنطبق عليها ورغم عدم ايماني بهذه الخرافة ، لا اخفي عليكم أنني احسست قليلا بالخوف وكنت احاول التلصص لمشاهدة قدميها هل يشبهان أرجل الحمار ونزلت في أقرب مكان به مواصلات وعند نزولها شاهدت رجليها كما أرجل البشر ، فعرفت بأن الإنسان إبن بيئته ومهما كان متجاوزاً لها لا بد أن يكون لها تاثير علي شخصه وفي اللاوعي بشكل أو بآخر . قرأت قبل فترة تحقيق صحفي عن البعاتي في الصحف السودانية ، أكد واقسم عدد من الذين التقتهم الصحفية بأنهم قابلوا البعاتي وان احد هؤلاء البعاعيت قد جاء وطالب بملابسه ليفعل بها ماذا لا أدري . حتى الثقافات الأخري لا تخلو من قصص البعاتي وأن كان يأتي في شكل شبح وليس شخص بلحمه ودمه كما عندنا ، وشاهدت فيلم الآخرون (others) بطولة الممثلة الاسترالية نيكول كيدمان ، ويحكي عن إمرأة ذهب زوجها للحرب تذهب للسكن في منزل ضخم فيه عدد من الخدم ، ولديها ولد وبنت لا يستطيعان العيش الا داخل المنزل ، وتكون حريصة كل الوقت علي إغلاق النوافذ والستائر ، وتصر الإبنة الصغري علي أنها ترى اشخاص في المنزل يحادثونها وتحادثهم . ثم تكتشف الأم وجود اشباح بالفعل في المنزل وتدور أحداث الفيلم حول الأشباح الذين يسكنون المنزل ومحاولة الأم إبعادهم عن المنزل حينما تكتشف أن من يعملون معها في المنزل هم ايضاً اشباح كانوا يسكنون هنا منذ عشرات السنين وقد توفوا ، ثم نكتشف في النهاية أن الأم وأبنيها هم ايضاً بعاعيت وأن الأم قامت بقتلهما وقتل نفسها بعد أنهيارها لدى سماعها خبر وفاة زوجها في الحرب ، الفيلم يسعي لإيصال فكرة أن الآخر قد يكون مثلك دون أن تدري ، فقط نظرتك له هي التي تجعله الآخر الذي تحاول أن تكون مختلفاً عنه وهذا حديث آخر . ولكن يهمنا في هذا المقام وجود فكرة البعاتي في الثقافات الأخرى . ما هو جيد في الأمر أن الحكومات لا تعود للحياة مرة أخري بعد وفاتها ، فإذا ما ذهبت الإنقاذ إلي مذبلة التاريخ فلن تعود للحياة مرة أخري بأي شكل من الأشكال ولا حتى بعاتي ، ولم نسمع في حكايات الحبوبات أن حكومة ما قامت بعاتي . ونعلم كلنا بأنها ستذهب يوماً ما ونتمني أن يكون قريباً . سنعيش سعيدين دون أن نخاف من شبحها .