تداعيات (( ماما ماما ماما )) يأتيني صوت (مصطفي) إبني بعيدا متخللا نعاسي ذلك البعيد المنال ، يستيقظ (مصطفي) عادة بعد منتصف الليل او في الساعات الاولي من الصباح ، تأتي تلك (المأماة) بعد ما يكون هو قد جلس بعد شرب كوب اللبن المخصص لهذه الصحوة المعتادة ويرجع بعدها الي الدخول في منطقة نومه ، هكذا إعتدنا علي ذلك ، بل وقد انتهز انا هذه الصحوة كي ادخل في برنامج للكتابة مستغلا هدوء الصباحات ، حتي هذه الصباحات الهادئة قد تجد من يعكر صفوها و يشرخ هدوءها فالشارع الغامض الذي امامنا تضج فيه الموسيقي الصاخبة المنبعثة من العربات و ضحكات شباب منفلت و فالت ، مرة و قد تجاوزت الساعة الثالثة صباحا وكان هناك من يلعبون الدافوري منتهزين خلو الشارع تحتنا تماما من حركة السيارات ، عادة و انا استغل صحوة مصطفي تلك كمنبه إستيقاظ لادخل في برنامج الكتابة وقبل ذلك إعتدت ان اخرج من الشقة و اتحسس افكاري قبل الشروع في الكتابة ، مرة و انا اتمشي وكان ان عبرت خطواتي عربة فارهة تقف علي جانب الشارع الذي هو علي جانب حديقة عامة تبدو مهجورة نوعا ما إلا من نشاطات غامضة تترك اثارها علي ارض تلك الحديقة التي كانت قد فقدت خضرتها و تتمثل تلك الاثار في بقايا علب البيرة او زجاجاتها وحقن مستعملة هنا و هناك ، حين عبرت تلك العربة الفارهة الواقفة علي جانب الشارع التقطت أذني فحيح انثوي يجادل لذته الجنسية و قبل ان اعبر تلك العربة استطعت ان المح وجه فتاة غارق في تعبيراته عن لذه جنسية صاخبة ، كان وجه الفتاة قد اخذ موقع غريبا وحريفا في نفس الوقت داخل تلك السيارة ، كان وجه تلك الفتاة يأخذ موقعه في الفراغ بين المقعدين الاماميين للسيارة بينما بقية جسدها يلتصق بحرفة تعبيرية عالية علي شاب جالس في منتصف المقعد الخلفي للسيارة و كان هنالك ثمة ضوء خفيف يسقط علي السيارة من عامود الكهرباء البعيد عن موقع السيارة وقد اضفي هذا الضوء لمحة شاعرية علي وجه تلك الفتاة الغارقة في لذتها وشعرها كان غجريا و مجنونا حسب تعبير الشاعر نزار قباني ،لكل هذه الاحداث الغامضة كنت اسمي هذا الشارع بالشارع الغامض (( ماما ماما ولدي وين ؟ ماما ماما ولدي ؟ ولدي وين ؟ )) يدعم (مصطفي) هذا التساؤل ببكاء صاخب و لا نملك انا و(هادية) إلا البحث عن هذا الولد الضائع ، ولد (مصطفي) ، ذلك الولد الشقي و الضائع عبارة عن مهرج صغير الحجم من البلاستيك و بعظام من سلوك طيعة تجعله يتنوع في هيئته ، كان الخطأ التراجيدي مني أنا لاني اشتريت (مصاصة ) ملصق بها هذا المهرج اللعين الذي اصبح البحث عنه امرا حتميا حتي يكف (مصطفي) عن ذلك البكاء الملحاح ، تبحث (هادية) عن المهرج – ولد (مصطفي) الضائع – تحت المخدات ، تتلمس اطراف الفراش ، انظر انا تحت السرير ، احضر منضدة صغيرة اصعد عليها كي ابحث عن ذلك الشئ الصغير الضائع علي سطح الدولاب ، لا زال (مصطفي) يطارد بحثنا بذلك البكاء ، اذهب الي الغرفة الاخري ، اقلق نوم (داليا) و (حسن) بإضاءتي لنور الغرفة ، ابحث عن ذلك المهرج في سرير (داليا)، في سرير (حسن) ، انحني كيما ابحث تحت السريرين بينما (هادية) تبحث عنه في الصالون و المطبخ و (مصطفي) لا يكف عن البكاء ، لم نجد هذا المهرج الذي اصبح في خيال (مصطفي) الطفولي كائنا له قيمة كبيرة فهو ذلك الولد الذي يجب ان ينام معه علي السرير وهكذا إجتهدنا بما فيه الكفاية للبحث عن هذا المهرج الصغير حتي وجدته يرقد مطمئنا داخل تجويف حذاء قديم مهترئ ، امسك به و الوح به في وجه (مصطفي) الذي تحول سريعا من ذلك الوجه الباكي الي وجه يضج بالإبتسامات واتأمل انا وجه المهرج الضاحك واحس به يسخر منا بذلك القناع الضاحك ، اقذف به الي (مصطفي) الذي يضمه باصابع متلهفة في راحة يده اليمني و يتخلي عن جلوسه الباكي متمددا علي السرير مستدعيا طمأنينة نومه ، وهكذا اصبحنا نتأكد من وجود هذا المهرج في متناول اليد حتي اذا ما استيقظ (مصطفي) مطالبا بفلذة كبده نكون نحن علي إستعداد لنتفادي تلك الموجة من البكاء (( ماما ماما مليك ؟ مليك وين ؟ )) هي ذات الصحوة من النوم و تكاد تكون في ميعادها من كل ليلة ، لكن هذه المرة اصبح لذلك المهرج اسم هو ( مليك ) ، جاء هذا الاسم لان (داليا) اخته الكبري تنادي عروستها بإسم ( ملاك ) لذلك منح (مصطفي) ولده المهرج اسم ( مليك ) اما (حسن) فيعلن إختلافه ويسمي دميته ( صوصل ) علي اسم الصديق الفنان المسرحي المتميز (سيد عبد الله صوصل) وهكذا بحرفية عالية من واقع التجربة تمد (هادية) ذلك المهرج الي (مصطفي) وهي مابين الصحو و المنام كلما طالب (مصطفي) بوجود (مليك ) بين اصابعه الصغيرة في احدي النهارات و نحن عائدون من المدرسة و الروضة وعلي الشارع الذي يصر عليه (حسن) لانه يمر بالدكان ، صادفنا طفل صغير اسمه ( ايمن ) هو زميل ل(حسن) و (مصطفي) بالروضة ، برقت مني العيون وانا اري ( مليك ) – الما بغباني – بين يدي ( ايمن ) فما كان مني إلا ان خطفته منه و بحركة طفولية لاني اعرف تماما مغبة ان يكون ( مليك ) هذا في حالة غياب عن البيت وحذرت (مصطفي) من ان يفعل هذا الفعل مرة اخري و ان لا يأخذ (مليك ) معه الي الروضة (( ماما ماما سوداني سوداني سوداني وين ؟ )) ها هي صيحة جديدة ل(مصطفي) لا نملك فك رموزها ودخلنا دائرة بحث مبهم بينما (مصطفي) يدخل منطقة ذلك البكاء الملحاح ، احضرنا كل الدمي التي في الشقة و (مصطفي) يرفضها باكيا و نسأله عن من هو (سوداني ) هذا و لا نملك إلا الاجابة الباكية من تجاهه و ندخل انا و(هادية) في شجار حيث احملها مسئولية جهلها عن ذلك ال (سوداني) الذي يبحث عنه (مصطفي) في هذه الساعات الاولي من الصباح بينما تحملني هي مسئولية جهلي ايضا بهذا ال(سوداني) المطلوب الان حيا او ميتا ويدخل ذلك الشجار الي مناطق اخري اهمها ان علاقتي بالاولاد ضعيفة بحساب تواجدي القليل في البيت وهروبي الي ما يخصني ويخص عوالمي التي اصر عليها من مقاهي و منتديات ادبية و ادماني للسينما و طشاشات (حمامات القبة ) و (روكسي) ، كل ذلك و (مصطفي) مستمر في البكاء و السؤال عن ذلك ال(سوداني) وحين اقعدتنا الحيرة و الجهل بما يطالب به (مصطفي) واستسلمنا لموجة بكائه تلك ، يكف (مصطفي) فجأة عن البكاء ويلوح مبتسما ب(مليك ) بين اصابع يده اليمني الذي وجده داخل كيس مخدته الصغيرة و نعرف ان (سوداني ) هو (مليك ) نفسه، كل ما في الامر هو ان (مصطفي) كان قد غير اسم ذلك المهرج المتعب فمنحه اسم (سوداني) بدلا عن اسم (مليك ) وقد تمت عملية تغير الاسم هذي دون إخطارنا بذلك لنغرق في ذلك البحث المبهم ولم اتواني مرة اخري ان اتهم (هادية) بعدم متابعتها للامور المستجدة في البيت لانها مشغولة جدا بالونسات التلفونية الطويلة ولم تتواني هي ان تصرخ في وجهي و تطالبني ان اقلل من فترات خروجي من البيت حتي اتابع هذه المستجدات المهمة هكذا قبل النوم لابد من ان نتأكد من وجود هذا المهرج المتعب في متناول اليد وان نتأكد من ثبوت الاسم او تغييره بعد ان تأكدنا تماما من البحث عن (سوداني ) امر متعب ، معليش ، يبدو انني مضطرا الي الدخول في سراديب الرمز .