"شاويش محمد".فى حوالى الرابعة الا قليلا من عصرالاربعاء الثانى من شهر فبراير 1949 وامام المدخل الرئيسى للمدرسه تجمعنا كلنا بسلامتنا طلاب سنة اولى وقفنا مجموعة كل فصل على حده لأخذ التمام واستعدادا لخوض اول تجرية لضرب من ضروب الرياضة كان جديدا علينا وتواصلت ممارستنا له فى بداية كل عام دراسى طوال بقائنا فى الصرح الشامخ,. تلك.هى كانت رياضة الركض البطىء فى هدوء نفس ما امكن ذلك على مضمار"اختراق الضاحيه" بطول خمسة اميال حول حنتوب.وفى ذلك المكان وقعت عيناى على شاب فى مقتبل العمربين رباع فى القامة وقصرها فى شىء من نحول جسم كان ظاهرا عليه التماسك والترابط فى اعضائه واطرافه .جاء يسيرنحو تجمعنا من جهة جهاز"التلسكوب" فى خطوات قوية منتظمة تشبه المشية العسكريه يرتدى رداء قصيرا من قماش الكاكى وفنيلة قطنية بيضاء قصيرة ألأكمام تغطى النصف الأعلى من جسمه وينتعل حذاء قماشى بنى لونه (براون باتا شوز) وما ان اقترب من جمعنا ذاك القى تحية السلام على من كان مارا بالقرب منهم وواصل مساره الى حيث كان نفرمن المعلمين يتجاذبون اطراف الحديث انتظارا للمستربراون الذى كان داخل فى مكتبه "تحت البرج" وكان قد اعلن فى الاجتماع الصباحى عن بداية نشاط"الكروص كنترى رن"وانه سيقوده بنفسه عصرا فى صحبة من كان راغبا فى المشاركة من المعلمين الذين كان فى مقدمتهم المستر هولت رئيس شعبة التاريخ الذى علمنا لاحقا عن اشرافه على ذلك النشاط الذى ظل على الدوام باكورة الانشطة الرياضية فى بداية التيرم الاول من كل عام دراسى جاءتنا الاجابة على تساؤلنا عن الرجل انه" شاويش محمد محمود" المسؤول عن تدريب "الكديت" وتساءلنا كذلك عما هو هذا الكديت وجاءنا الخبر انه مجموعة من طلاب السنتين الثالثه والرابعه الذين يتولى تدريبهم عسكريا شاويش محمد تحت اشراف ألأستاذ عبد الحليم على طه. وتقدمنا المستر براون راكضا ورايناه ومسترهولت ومن شاركهما الركض من المعلمين وشاويش محمد بينهم يسارعون تارة ويبطئون احيانا اخرلحث من كان بدا عليهم التعب من الطلاب لشد الخطو وللحيلولة دون تسربهم عائدين الى داخلياتهم اذا ما وجدوا الى ذلك سبيلا.كنا نلحظ تقدم شاويش محمد وتاخره بين الحين والآخر محادثا مجموعات الراكضين حالما يندس بين كل واحدة منها رافعا روحهم المعنويه باعثا فيهم مزيدا من الاصرارعلى اللحاق بمن تقدموهم من رفاقهم ومبشرا ان لم يبق من نهاية المشوارالا القليل وكانت نهاية التجربة عند الميدان نمره (1) بين شهيق وزفيرالغالبية العظمى من الراكضين الآ من قلة كانت تبدو على وجوههم نشوة الانتصارفى مقدمتهم المستر براون ونفر قليل من الراكضين من بينهم كان شاويش محمد الذى رأيناه بعد حين يسيرفى خطواته المنتظمة شبه العسكريه شرقا نحو مساكن المعلمين حيث كانت له بينها دار لاقامته طل مقيما فيها الى ان تقفاعد بالمعاش ليبقى مواطنا حنتوبيا مقيما بين اهلها الغر الميامين الى انتقل الى رحاب ربه بعد عمر تخطى التسعين.. رحمة الله عليه فى اعلى عليين والحديث عن "ابو ضياء واخوته" يطول ولا ينتهى .رتبة "الشاويش" كانت تلازمه عندنا نحن القدامى من الحنتوبيين – معلمين وطلاب وعاملين الذين سعدنا بلقائه منذ الايام الاولى من تاريخ الصرح الكبيرفى منتصف الاربعينات – فهى الاحب الى نفوس اولئك القدامى من الحنتوبيين الاوائل رغم ترقيته الى رتبة "الصول"التى التصقت باسمه فى لواحق السنين." شاويش" محمد كان جنديا مظهرا ومخبرا اثناء ساعات عمله وهو يقوم بتدريب فرقة"كديت" حنتوب عصريوم الاتنين من كل اسبوع اذ هو صارم القسمات قوى نبرات الصوت عندما يخاطب افراد الفرقه ملقيا عليهم الاوامر والتعليمات . وما هى الآ لحظات بعد الانصراف الآ ويكون شاويش محمد شخصية مختلفة تماما..اذ الابتسامة البشوشة الوضاءة تغطى وجهه ويفيض وداعة ومرحا.واخاءا وانسانية. لم نر شاويش محمد غاضبا طوال اربعة سنوات دراستنا وظل هوهو شاويش محمد عندما التقينا بعد ثمانية عشر سنه بعد تخرجنا فى الصرح العظيم.. لم يتغير ولم يتبدل لا شكلا ولا موضوعا..لا يزال فى خفة ظله وحلاوة معشره ونقاء صدره وصفاء سريرته..وخروجه عن نفسه ووهبها للآخرين شاويش محمد احب الناس. كل الناس فبادلته حنتوب ارضا ومواطنين حبا بحب ووفاءا بوفاء واحتراما بتوقيرواعزاز واجلال واكبار تجلى بوضوح فى اثناء احتفال الخريجين بالعيد الفضى عندما التقى بقدامى افراد الفرقة العسكريه.. وبقيت حنتوب مقرا ومقاما له فى حياته وبعد مماته....دور شاويش محمد فى حنتوب يظل يتحدث عن نفسه ويضىء على مرالزمان بصماته تظل باقية فى ابعاد اللانهائيه وآثاره فى اعماق الابديه اذ ما قدمه وبذله فى هدى وارشاد طلاب حنتوب لم يكن ليقل عن عطاء المعلمين الاخيارهديا وتوجيها وارشادا وستظل شخصية شاويش محمد وذكراه حية متوهجة فى نفوس كل من نال حظا من الدراسة او العمل فى ذلك المكان الطيب ... لم يقتصر عمل شاويش محمد على تدريب الفرقة العسكريه فحسب.وهو ذلك النشاط الذى كان شاويش محمد يغرس من خلاله فى نفوس المشاركين روح المسؤوليه و"قواعد الضبط والربط." وطرائق استخدام الاسلحة العسكريه وتفكيكها واعادتها سيرتها الاولى.. اذ كان يشمل حفظ كل ما يتصل بالتدريب العسكرى من معدات النظم العسكريه تحت عهدته الى جانب الاشراف التام على كافة الادوات والمعدات الرياضيه على اختلاف انواعها والقيام باعدادها وتجهيزها لتكون فى متناول يد طلاب كل داخلية عصر يومى الاحد والثلاثاء المخصصين لتدريب الطلاب على مختلف الانشطة الرياضيه وفق الجدول فى كل فترة دراسيه. فهوالحفيظ المؤتمن علي مخزنها الكائن جنوب شرقى داخلية المك نمر حيث كان يقضى معظم نهاره وربما كان يشاهد اثناء النهار مع المستركوين لما تولى الاشراف على التدريب العسكرى بعد انتقال الاستاذ عبدالحليم على طه الى الخور الخصيب فى عام 1950 . اوبين يدى من تعاقبوا على ادارة النشاط الرياضى . كرة قدم كانت او سلّة او سباحة والعاب قوى. من بين المعلمين.الذين كان شاويش محمد على الدوام يشاركهم ممارسة تلك الانشطة فى مبارياتهم ضد فرق المدرسه المختلفه وتمددت مهامه مع اثنين من الصولات اللذين تم تعيينهم فى لاحق من الزمان للمساعدة فى ضبط النظام وملاحقة المتاخرين عن بدء الحصص فى بداية اليوم الدراسى او خلاله الى جانب توقيع العقوبات البدنيه على الخارجين عن النظام والمتفلتين من الطلاب . يقينى انى مهما افضت فى الحديث عن شاويش محمد وتذكار محاسنه فانى لن اوفيه حقه . فانه كان وسيظل احد اعمدة الصرح الكبير ومعلما من معالمه ورمزا من رموزه الخوالد الباقيات على مر الزمان.. رحمة الله عليه فى الفردوس الاعلى ما لاح بدر او نادى مناد بالاذان. [email protected]