إستلهمني الحنين للماضي بكل مكنوناتة وأيامه الخوالي خصوصاً تلك التي قضيناها في طيبة الذكر صحيفة أجراس الحريه السودانية، الرائعة ذات الصيت التي لاتحتمل معني النسيان رغم جور الزمن والتراجع المرير في الصحافة في مختلف الأصعدة،فقد إحتلت موقعها في مدارك الخلود وقمم المجد لأنها أسرت الشارع السوداني بإدخالها للعديد من المستجدات التي لم تكن مألوفة في الصحافة السودانية منذ زمن بعيد مثل الكتابه الحرة،الطرح الشفاف،الجرعة في النقد،الموضوعية وغيرها من الصفات التي لاتحصي!وحينها نطقت كل الاقلام التي عرفت السكات لسنين عددا! واذكر في تلك اللحظات من العام 2008 م نشرت مقالاً بالعنوان أعلاه نبشت فيه مفهوم ثقافة الإستقالة من عدة زوايا فوجد حيزه من الإثارة والنقد والتفنيد بصورة مثالية من قبل الكُتاب والصحفيين حتي ظننت ان مفهوم ثقافة الاستقاله سوف يسود في السودان و بعد مضي سته أعوام من نشره أجد حوجة ماسة في إعادة نشره من جديد بالإضافة الي ضرورة نبش المفهوم مرة أخري،والسبب يعود الي غياب هذه الثقافة نهائيا في معظم الدول الإفريقية والسودان في قائمة الصدارة !ومنذ ميلادي في الثمانينيات حتي تاريخ اللحظة لم أسمع مجرد سمع عن مسؤول إستقال من منصبه طوعا لتقصيره في واجب ما أو إخفاقه في الإدارة،دعك من مسؤول حتي الخفر لم يستقيل منهم أحدا بإرادته إن لم يجبر علي الإستقالة نتيجة لكبر سنه، و السيئ في الأمر حتي ألفوات الفصول في مدارس الأساس لايستقيلون دعك عن رئيس جمعية أو رأبطة أو اتحاد جامعي او غيره . في هذا الصدد نري بأم أعيننا في وسائل الإعلام ونسمع دائماً عن العديد من الاستقالات للوزراء والرؤساء في اروبا وامريكا وعند بني إسرائيل الذين يصفون أنفسهم بشعب الله المختار ,! ولكن الأغرب في الامر أننا لا نستغرب علي إستقالاتهم ونعتبرها امرأ عادياً بالاضافة الي دعمنا للفكره بنسبه عالية من الحماس والهاشمية ,وربما طالبنا بإستقالة المزيد منهم من أجل التغيير وإستبدال الشباب بالكبار الذين شاخوا وهرموا في الحكم .من أجل ضخ الدماء الجديدة في المؤسسات والمرافق العامة. وفي تقديري الخاص أري ان العبرة ليست بالاقوال ولكنها بالافعال فطالما نؤمن بهذا المفهوم قلباً وغالباً ونراه جميلا عند الأخرين لماذا لا ننزله علي ارض الواقع ونطبقه في مجتمعنا من اجل ذات التغيير الذي ينشده غيرنا , أم ان ثقافة الاستقاله لا تشبهنا وليس من انماط عاداتنا الحميدة !ولا الجمل ما بيشوف عوجة رقبتو! ؟ وإن أبحرنا كي ننقيب عن مفهوم ثقافة الإستقالة في القارة السمراء قد نصاب بالصدمة لأنه لم يولد البته في معظم الأقطار رغم العولمة والحداثة،وربما نجده حديث الميلاد في بعض البلدان،والمؤسف هو إصابة السواد الأعظم من أبناء ماما أفركا بالعقم الإستقالي و السودان وجنوب السودان من أقرب النماذج الحية !!والدليل علي ذلك الحب الدائم للحكم وشهوة السلطه من قبل الجميع ,حتي في الاجسام التي تمارس الديمقراطية بصورة شكليه عند أنتهاء دوارتها نجد الصراع يبلغ ذروته بين المكاتب التنفيذية وبقية أعضاء الجمعية العموميه فيما يخص خطابات الدورة والميزانية وحل اللجنه القديمة وإنتخاب مكتب اخر جديد وغيره من المسائل الفنية،ودائما نلتمس في التنفيذيين رغبتهم الجادة في البقاء والخلود في المناصب ويتصرفون من مبدأ الملكية دون أدني خجل أو إستحياء من الناخبيين الذين إنتخبوهم في السابق،لذا يرفضون التنحي ومهما كانت الكلفه لا يبالون! ويأتون مرةً أخري حاملين نفس الشعارات القديمة المصبوغة بالأكاذيب والإفتراءات ومعها الأعذار القبيحة ذات التبريرات المطنعة،مدعومة بقسم اليمين وقسم الطلاق وغيره ويزيدون من تكرار الحليفة مئات المرات ويقولون نحنا مازلنا علي الوعد القديم في تحقيق مشاريع التنمية بس أمنحونا فرصة أخري كي نثبت لكم صدق نوايانا وهلمجرا وعندما يضمنوا النتائج لصالحهم يعودون لتربصهم القديم. ومن هذا المنطلق يُعد ارساء ثقافة الاستقاله ضرورة حتميه خصوصا في مجتمعاتنا وربما ذو اولوية قصوي في إفريقيا ولا يتم هذا الا بادراجه كمادة ثقافيه في مناهج التعليم ابتداءاً من الاساس ثم الصعود,وعلي هذا المنوال يشب الاجيال ومن شب علي شييء شاب عليه.ومهم جدا ادراج الديمقراطيه,التربية الوطنية وحقوق الانسان كمواد اساسية في مناهج التعليم ,من أجل خلق جيل جديد معافي من كل الامراض وسرطانات الاجيال السابقة.وعندما تتاح له فرصة الترعرع في بيئة ديمقراطية منذ الصغر ويدرس الديمقراطية كعلم من مناهجه المختلفة ويطبقه كسلوك,حينها فقط يمكن ان نسمع بان وزيري المياه والكهرباء قد استقالا نتيجة لعدم قدرتهم علي توفير مياه شرب نقية وكهرباء دائمه للمواطنين,او استقال وزير الصحة لعدم تمكنه من تقديم حلول جذريه للاوبئه المنتشرة في ربوع الوطن الحبيب,ولا يستطيع ان يبقي في منصبه ويري شعبه يموتون ليلا ونهارا بأتفه الامراض.وليس غريبا ان اقال رئيس تحرير صحيفة ما نفسه نتيجة لاحساسه بوجود من هو اكفي منه في ذات الصحيفه وهو اهلٌ لهذا المنصب,فان حققنا التطلعات اعلاه نكون قد هدمنا بالمقابل مفاهيم الانتقائيه ،الغوغائية ،حب النفس و السلطة وعبر هذا المنهاج نستطيع الولوج لمصاف الحضارات المتقدمة فالي هناك. بقلم/صالح مهاجر خلف الستار