وبينما أنا جالس أرتشف كوبا من القهوة، طافت بمخيلتي سيرة عدد من الدكتاتوريين و الأنظمة الشمولية.. جوزيف ستالين (الاتحاد السوفيتي) ، أدولف هتلر (ألمانيا النازية) ، موسليني (إيطاليا الفاشية) ، صدام حسين (العراق) ، ماو تسي تونج (الصين) .. كيم إل سونغ (كوريا الشمالية).. ثم أبحرت بعيداً في أعماق التاريخ نحو الأمويين و الحجاج بن يوسف، و العباسيين و أبو العباس السفاح، و قياصرة الروم، و كسرى الفرس، و هولاكو المغول حتى وصلت إلى فرعون مصر.. وجدت أن هؤلاء جميعاً برغم دكتاتوريتهم و تسلطهم و عنفهم وسحقهم للإنسان و حقوقهم إلا أنهم شيدوا من اللاشيئ دولا قوية صارت في فترات وجيزة قوى عالمية ضاربة يحسب لها ألف حساب.. ثم فجأة قفز إلى مخيلتي (زولنا) داك.. الذي و برغم تفوقه على آنفي الذكر في الدكتاتورية و القهر و التسلط و برغم الكلفة الاقتصادية والبشرية الباهظة التي دفعناها لربع قرن من الزمان، و برغم ملايين القتلى والضحايا الذين قدمناهم قربانا لمشروعه الحضاري، إلا أن وطننا الذي كان ذات يوم (يهز ويرز).. إنشطر على يديه إلى دولتين!!! تمزق نسيجه الإجتماعي و انهارت قيمه وأخلاقه.. تدمر إقتصاده وكافة مشاريعه الزراعية و الصناعية، جيشه بات يذود عن الحمى (بالنظر)..!! وصارت عصابات الهمج و الرعاع والنهب المسلح فيه قوى نظامية! وأصبحت البلاد كمريض الجذام.. تتساقط أطرافه و يعافه حتى بنوه! إلى أن صار جنازة تنهش جسدها الكلاب و الضباع من كل صوب، وهي عاجزة حتى عن هش ما يحط فوقها من ذباب! ثم قفز أمام مخيلتي مرة أخرى وهو يرقص ويهز بعصاه ويملأ الدنيا وعيدا ولعلعة و زعيقا.. ويعدنا بغد مشرق و مجد تليد منتظر! فقلت له وأنا أرمقه بنظرة قرف و اشمئزاز.. أسمع جعجعة و لا أرى طحينا! لا أنت صنعت من دمائنا و عذابنا مجدا ولا قوة و لا منعة كرصفائك من الدكتاتوريين، و لا أنت تركتنا ننعم بحريتنا و كرامتنا وعزتنا نتلمس طريق النجاح عبر المسلك الديمقراطي الذي كان سائداً قبل (إنقاذك)..! أعرضت عنه ونفثت ما بصدري من هواء حار.. و لسان حالي يردد.. إييييييه يا وطني.. يا من كنت جنة فبت اليوم خرابة ينعق فوق أطلالها البوم.. أي لعنة أصابتك منذ مجيئ هؤلاء القوم؟؟! د. أسعد علي حسن