عندما وصلت الجبهة الاسلامية الي السلطة في30 يونيو اعلنت حل الاحزاب بما فيها الجبهة الاسلامية،وعندما ذهب قادة الاحزاب الي المنافي ابتلعت الاجهزة الخاصة للجبهة الاسلامية الدولة واختلطت معها واصبح كادرها يركض في دورة البلاد الدموية وحيدا بعد ان غيب كل صوت اخر. اعترف عدد مقدر من قادة الجبهة الاسلامية وعبر حقب مختلفة بسياسة التمكين التي صفت الجهاز الاداري للدولة من كل مخالف في الراي،بل كانت القوائم تمرر لفلترة المؤسسات من الطابور الخامس" وهم ابناء السودان من غير الاسلاميين"،وبالتالي اصبحت البلاد بدون احزاب، ونقابات، وتسيست خدمتها المدنية بالكامل،وجاء جيل جديد يرنو للخدمة الوطنية عن طريق الحزب،وشهدنا نحن كجيل ظل مبعد طوال هذه السنوات من خدمة بلاده لا لضعف في الكفاءة بل لاننا نحمل صوت مغاير كيف كان ينضم طلاب الجامعات للحزب الحاكم طلبا للوظيفة. لايعرف عدد من قيادات الجبهة الاسلامية ان الاحزاب السياسية مؤسسات مهمة جدا،وهي الحامل الاساسي لتنوع ابناء البلاد السياسي، الفكري ، والطبقي ووجهات نظره،وان الاحزاب السياسة مهمة كارضية تعمل على فرز المرشحين السياسيين للتنافس في الوظائف المختلفة،فالحزب عبر اجهزته الداخلية يعمل على اختيار الافضل من بين مرشحيه اذا كان يرغب في الظفر بالمنصب،واذا لم يختار الافضل فان احزاب اخرى ستفعل بدون شك وستحصل هي على المنصب،اذن الفرز الداخلي للاحزاب عبر اجهزتها المختلفة عتبة اولى،ثم يطرح المرشح بين مرشحين اخرين الي عموم الناس فيختارون الافضل للمنصب المعني. لكن الجبهة الاسلامية وعبر اجهزتها الخاصة تفخر بانها دمرت الاحزاب التي هي مؤسسات وطنية ملك الجميع قبل ان تكون ملك لمنسوبيها، دمرتها بالاختراق وشراء الكوادر الهشة ودفع اصحاب الطموحات الانية للانقسام بما تعرضه عليهم من وظائف،وبرعت في ذلك ايما براعة، فاصبحت تعقد التسويات اناء الليل والنهار بين الحزب الاصل والتقليد ،وبين الزعيم وابن عمه،بين المنقسم والمنقسم على المنقسم،وحتى من انقسم على حزبه وجاء اليها قسمت منه قسم ثم قسمته حتى تذروه الرياح. والجبهة الاسلامية لاتؤمن بالمنافسة في عرفها وممارستها وقد تطرق الي ذلك نفر من ابنائها مثل التيجاني عبدالقادر وقال ان غياب الترشح في اجهزة الجبهة الاسلامية اضاع على الجبهة فرصة اختيار الافضل،وبالتالي اصبح المرشحين تطرحهم الاجهزة الخاصة ومن ثم يجري عليهم " جرح وتعديل" وهو نظام شكلي لاقرار مااقرته الاجهزة الخاصة فعلا وبالتالي تختار المرشحين تبعا لتصوراتها عن السمع والطاعة والقرب والبعد من مراكز القوى وليس المقدرات السياسية لان كادرات الاجهزة الخاصة هم ابعد الناس عن السياسة واقرب الي دوائر اخرى. عندما انقسمت الجبهة الاسلامية على نفسها وخرج شيخها لمواجهة ابنائه تعجب الناس من تلك البلاد التي اصبح فيها حزب الاقلية الاسلامية هو الحكومة والمعارضة في اَن واحد،ولم يتذكر احد انها نتيجة منطقية لتاميم العملية السياسية في البلاد،فاذا كان نميري قد امم الشركات وسيطر على الاقتصاد فان الجبهة الاسلامية جاءت بالذي هو اكبر، وهو حل الاحزاب السياسية والسيطرة على الفضاء السياسي لوحدها، وهو فضاء كبير جدا،كانت تسيطر فيه بالكاد وبعد جهد تنظيمي خارق ودعم مالي خارجي كبير على اقل من الخمس بالبرلمان واقل من5% بعدد اصواتها، لذلك لجاءت الي خلق كيانات فضفاضة بعد ان استولت على السلطة، مثل اللجان الشعبية،وغيرها من الواجهات التي انبثق منها الموتمر الوطني لاحقا كحزب واحد احد. يحكم ويسيطر ويوزع المغانم. حملت صحف الخرطوم قبل ايام خبر خوض عدد مقدر من منسوبي الحزب بولاية الجزيرة الانتخابات كمستقلين،وهذا امر طبيعي،فهم ابتدا لم يدخلوا الحزب ايمانا بالجبهة الاسلامية ومشروعها الحضاري بل لانه الطريق الوحيد للسلطة،هم في ذلك مثل زملائنا الطلاب الذين كان عدد مقدر منهم يجاهر بانه لايومن بالموتمر الوطني ولكن يرغب في وظيفة جيدة عقب التخرج. خروج ابناء الموتمر الوطني على حزبهم في ولاية الجزيرة ناتج عن عدم وجود فضاء سياسي حقيقي للعمل السياسي،فلو كانت المنافسة تجري بين الاحزاب لتوزع هولاء على الاحزاب كافة ولركض كل واحد منهم مع حزبه،لكن ماذا ينتظر المؤتمر الوطني"الجبهة الاسلامية" من شخص ترك حزبه الي الموتمر الوطني من اجل الظفر بمنصب؟ فاذا لم يعطيه المؤتمر الوطني المنصب فعلام ينتظر؟ محمد الفكي سليمان