بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً يجب أن نقرر جملة من النقاط كمدخل ضروري لتناول الموضوع وهي : 1/أن اختيار النموذج .. يتجاوز الشخوص والنماذج والمواقع..كون المثالب التي سترد في سياق المقال ..يمكن أن تحدث في أمكنة ومواقع ونماذج أخري بتوفر نفس الظروف . وما اختيارهم كنماذج ..إلا كونهم تروساً في الآلة الشمولية بحكم مواقعهم. 2/ خطأ اعتبار أن التمييز السلبي لدي الأنظمة الشمولية..محصور ضد الآخر المناوئ فقط..وبشكل حصري..وكذلك الظن بأنه يأخذ شكلاً أحادياً بسيطاً..فالتمييز قد يكون فكرياً وسياسياً واقتصادياً وإثنياً وجهوياً ووظيفياً ودينياً ..الخ .. ويبدأ بالضرورة ضد الآخر من خارج المنظومة ..وعند خلو الساحة منه أو ضعف أثره..تنكفئ الآلية إلى الداخل.. في صراع المغانم ..ما يزكي الصراع الداخلي المفضي بالضرورة إلى الانشقاقات ..كما حدث في المفاصلات المتعددة بالنسبة للنظام الحاكم رغم وحدة المرجع الفكري والعقدي. 3/ إن الشمولية تنتج نظاماً للحكم الفردي مهما تدثرت بأي أغطية فكرية أو دينية..وتؤدي في النهاية إلى مركزة السلطة والقرار..فيما يخص القضايا ذات التأثير المباشر على الديكتاتور وسلطته ومصالحه..ولكن في نفس الوقت ..تستنسخ منه بؤراً أبطالها الوزراء المركزيون ومديرو المؤسسات والهيئات والحاكم الإقليمي ووزرائه والإدارات العليا طالما كانت بعيدة عن حظيرة الفرد..وبها من مصادر المال وأي مصالح أخري ما يغري. وسريعاً ما ينجرف حتى أزهدهم وآنفهم عن مواطن الشبهات أو يركن إلى السكوت حفاظاً عليها أو نأياً بالنفس عن معارك خاسرة لا طاقة له بها . 4/ تصبح دعاوى الحاجة إلى المعلومة عند طلب الحاكم مدخلاً لصياغة نظام العمل ومركزته بحيث تتركز القرارات والعمل ومن ثم الحوافز الضخمة لدى الإدارات العليا.. نظير القيام بهذه الأعباء التي هي في الأصل من مهام مستويات أدنى..ما يؤدي فيما يؤدي إلى ضعف المستويات الإدارية السفلى وقلة المبادرة لدى من هم دونهم . 5/ يكون التمييز السلبي هو أحد النتائج الحتمية لتضافر هذه العوامل . ندلف من ثم إلى نموذجنا بعد هذا التمهيد الذي نأسف على الاسترسال فيه لضرورته..ففي انتخابات 2010 كان رئيس المجلس التشريعي الحالي في ولاية كسلا..هو صاحب الترشيح الأول للكلية الشورية والوالي الخامس فتم اختيار الأخير من المركز .. حاول إثرها المزاح اللعب بالسند القبلي..لكن آليات النظام كانت بالمرصاد..فلا خلاف على أنه واجدٌ من ذلك ..ما قرّ في فهوم أهل الولاية وملاحظتهم ..أنه يتصرف كائداً .. مسانداً ما امتنع عنه الوالي..وفي هذا السياق ..فقد كان الوالي تحت تأثير من ملاحظة رئيس الجمهورية بعدم وجود طلاب من الولاية في المائة الأوائل للشهادة السودانية..ففاجأ الوالي وزارة التربية بدعم ضخم لما ظن أنه يقود إلى المنشود.. مستنسخاً فكرة ما سمي في المركز بالإسناد الأكاديمي في وقت متأخر من العام الدراسي..فسوقت الوزارة جملة ما تقوم به المدارس في هذه الفترة..وسعّرتها..مع مركزة البرنامج..ورفعته للوالي .. وتحسنت النتيجة ..ليس بفعل البرنامج..بل بإيقاف تشتت الطلاب بين حصص التركيز الخاصة.وأدى سوء القراءة إلى ظن الوالي والتعليم بأن طبيعة البرنامج كانت وراءها..وتحمس الوالي للدعم..وهنا بدأت الآلية فعلها..فمُط الشهر إلى أربعة أشهر كل بحوافزها ..مركزاً جل المبلغ في المدارس النموذجية والطلاب الأوائل..وحصر استفادة غالبية الطلاب في آخر العام..لكن المفاجأة غير السارة..كانت في هبوط نسبة النجاح العامة للولاية بنسبة 3% رغم وجود الولاية في المائة الأوائل..فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون..وسرى همس جهير عن الحوافز وما طال كل المستويات والإدارة العليا..وانتهى إلى الاعتراف بالجهد المهدر..وكان طبيعياً ألا يتجاوب الوالي مع البرنامج الذي كان يرصد له من مال التنمية..وكون لجاناً للتحقيق..وبالنتيجة ..لم يصدق بالدعم إلا متاخراً..وكانت المفاجأة أن رفضت وزارة التربية استلام المبلغ..بحجة عدم تحمل مسئولية النتيجة في هذا التوقيت الذي لا فائدة من تركيز فيه .. هنا برز رئيس المجلس التشريعي ..وقرر الدعم للمدارس النموذجية من صندوق دعم التعليم..ولا تسل عن كيف يكون رئيس الجهاز التشريعي بدوره الرقابي..قيماً على تصاديق مالية لخارج المجلس..فطفق مديرو المدارس بمحلية كسلا يقدمون طلباتهم إلى رئيس المجلس..عبر وزارة التربية التي تختم على الطلبات في تناقض يبين أن سبب رفض الدعم كان مختلفاً عما ساقوه.وبدأ التمييز السلبي باستبعاد المدارس الجغرافية في البداية وحصر الدعم على المدارس النموذجية ..ثم دعم من تقدم منها بطلبات من مدارس كسلا كيفما اتفق بدون أسس ..وإهمال بقية المحليات..دون أي سؤال عما يسوغ لمديري المدارس التعامل المباشر مع رئيس المجلس في وجود وزارة التربية..ولتأكيد صحة هذا الخلل..طلبت أن تقدم الطلبات في هذا العام عبرها.. ومرة أخرى لمدارس محلية كسلا..التي منحت مبالغ مالية مباشرة..مع المحافظة على التمييز السلبي ..حيث تراوح نصيب النموذجيات بين 12 إلى 30 مليون..بينما نالت أعرق مدرسة ثانوية ذات الخمسة أنهر مبلغ ستة ملايين..وللسخرية..طُلب من مديري المدارس في المحليات الأخرى..جمع مبالغ من الطلاب للتركيز..في أسوأ أنواع التمييز السلبي ..فكأنما هنالك أولاد للحكومة في بعض المدارس ..وبقية الأولاد فاقدي الأب الحكومي.. وهكذا أدت محاولة الوالي لرفع التمام إلى رئيس الجمهورية واجداً سند الصرف من فكرة الاسناد الأكاديمي عسكري الاسم والمصطلح والمركز للعمل ودسوره في أياد معينة ..إلى عمل الآلة الشمولية ..وانتهى إلى فشل التجربة المهمة ..وإظهار صراع الدستوريين..وبروز ثقافة احتكار العمل ومركزته وحوافزه لدى الإدارات العليا ..وحرمان معظم طلاب الولاية من مال يستقطع من آبائهم ويوزع لبعضهم.. في حين أن توزيع المبالغ إلى المدارس وفقاً لعدد الممتحنين منذ العام الأول وترك البرامج للمدارس عبر شُعبها كان كفيلاً بنجاح التجربة واستمرارها..وللمفارقة ..هذا ما فعلته الوزارة في هذا العام للمتقدمين المصدق لهم من المدارس الجغرافية ورفضته مقترحاً في العام السابق. وكذا دأب الشمولية في كل المواقع ..فما عليك إلا أن توفر صراعاً لمراكز القوى ومسئولاً سياسياً يظن أنه آت بما لم تستطعه الأوائل .. وأن التاريخ يبدأ من ساعة تسنمه موقع السلطة ..ومالاً مرصوداً إلا وبانت سوءاتها ..في حصاد حصرم التمييز السلبى في كل المستويات..وأعجب من راغب في ازدياد . [email protected]