قصدتها هكذا استاذي الجليل، وليس الاستاذ الجليل بالرغم من انني اعلم أنه قد درس أجيالاً من الطلاب، إلا أنني كنت أشعر أنه يخاطبني انا فقط دون زملائي في الفصل بالزومة الثانوية، كنت اشعر في حصة العربي الاختياري انه يدرسني انا فقط، وذلك ان شرحه لا يفصل بيني وبين استقراره في عقلي إلا خروجه من فمه، وكذلك العربي والدراسات الإسلامية، أعلم ان جميع طلابه الآن يشاطرونني الحزن العميق في هذه اللحظات والجميع يتوافدون على المقابر ليواروا جسده الطاهر الثرى، لكن فقده المني اشد الايلام واظلم الدنيا في عيني. استاذي ود ابجني تعلمنا منه الترتيب، وتعلمنا منه التنظيم لم يكن مدرساً فقط بل كان مربياً جليلاً ورجل علامة يجيد المواد التي يدرسها ويحفظها عن ظهر قلب ولم يكن يحتاج لكتاب أو مرشد للدخول للحصص، كانت البسمة على وجهه دائماً، يحترم الكبير قبل الصغير ويضاحك الشباب قبل الشيب، منذ ان ولدنا وجدنا أستاذنا محمد حسن وقيع الله معلماً قديراً وظل كذلك بعد نزوله للمعاش يمارس التعليم لأنه لا يمثل له وظيفة فقط بل هواية ورسالة أمن بها وأداها كما يجب، ونشهد له بذلك ويشهد له ايضاً كل طلابه الذين تشبعوا من علمه الدافق. استاذي ود ابجنبي كان شديد الذكاء مما اهله لحفظ القرآن في سن مبكرة على يد شيخنا الجليل احمد على حامد، عمل في التدريس بالمرحلة الثانوية بمنطقة كبوشية ثم الزومة ثم كورتي ثم القرير وكريمه ومناطق أخرى، وزرع في كل المناطق التي زارها وعمل بها سمعة طيبة بطيبته وتعامله الجميل، ونجد طلابه ينتشرون في كل بقاع الارض لطول لفترة عمله بالتدريس. اليوم (10/ 2/ 2015م) انطفئ السراج المنير ودقت ساعة الرحيل، وسيكون حزن الجميع في كفة وحزن الاهل المصليين بمسجد الننقاب في كفة أخرى، حيث كان الفقيد يعمل إماماً للمسجد وخطيب الجمعة المعتمد به، وقد كانت خطبته يشد لها الرحال لسلاستها وقوة حجتها، اليوم حزنهم عميق لما كان يتمتع به إمامهم العظيم من الحكمة والتعمق في الفقه والكتاب والسنة، فقد كان مفتي الديار هناك يلجأ إليه الكبير والصغير ويجدون حاجتهم في المسائل المعقدة والسهلة وكل موجود عند ود ابجني، وله برنامج ثابت بذلك المسجد العتيق حيث يتواجد به صباح كل جمعة لنظافته، ويهب إليه كل عصر ليرتب مكان صلاة المغرب والعشاء فبذلك كانت حياته تتحلق حول المسجد يألف المسجد وألفه، وما اروع خطبة العيدين عندما يلقيها الراحل لتتضمن مقدمته التي اعتبرها قطعة نثر فريدة (أعيادنا هي زهرات الحياة المتفتحة وسط صحراء الحياة القاحلة، نترقبها كما تترقب القافلة المجهدة في ظلال الواحات) ويقول في فقرة اخرى (نحبو إليها أو تحبو إلينا) ويقصد هنا الاعياد، أتمنى ان اكون قد وفقت في ايرادها كما يقولها ومثلي لا يجاريه في البيان والبديع، فقد خبر المنابر وخبرته وعاركها وعاركته بصوته الجهور ونظراته الثاقبة التي تسبق كلماته الرصينة فتكون من القلب إلى القلب. زد على ذلك تلك الدروس التي يلقيها في المسجد عقب التراويح وفي اوقات متفرقة من السنة أحياناً واستفدنا منها شديد الاستفادة، وإلى الآن عندما يناقشك أحد في فتوى أو مسألة من مسائل الدين تعود بك الذاكرة لجلستنا في حوش مسجد الننقاب الفسيح وأستاذنا ود ابجني يدير معركة الفتوة والعلم والمدارسة للعبادات والفقه والمعرفة والتفقه في الدين، وفي نفس تلك الساحة اليوم يتقبل آله وأسرته وجيرانه العزاء في روحه التقية النقية بعد ان قبروه وذهبوا وتركوه لقرآنه كي يتآنس معه، ولذكره وصلاته وعلمه وتقواه كي تكون له خير زاد في دار الاخرة، فنعم الرجل أنت ونعم الغرس غرسك. أمامنا محمد حسن وقيع الله كان مرتباً، منظماً، أنقياً، هاشاً، باشاً، محبوباً، كريم الخصال والصفات، زملائي وطلابه وأهله وذويه وأخوتي ابنائه وأخواتي بناته وكل آل وقيع الله ورفقاء دربه المدرسين وكل الاهل والعشيرة أمد يدي لأعزي كل واحد فيكم عزاءاً حاراً كعزاء الاب في ولده، والأم في ولدها والشقيق في شقيقه، فانا أعلم ان الفقد عظيم، والمصاب جلل، لكن لا نقول إلا ما يرضي الله، ولا نقول إلا "إنا لله وإنا إليه راجعون"، سائلين الله ان يكرم وفادته وان يدخله فسيح الجنات مع الصديقين والشهداء وان يرحمه بقدر ما قدم في حياته .. آآآمين .. آآآمين. [email protected]