ثمة تخبط واضح يعتري الخطاب الرسمي بالبلاد يميزه سخاء وجود المنظومة الحاكمة على مستوى التصريحات الصحفية ، مؤكدة عدم جدوى تسمية ناطق رسمى إذ أن رفقاء السلطة الذين يقومون بدوره (لم يتركوا له ما يقول) وكل هذه الغرائبية التي تعتري الخطاب السياسي تطلق في وقت أحوج ما يكون فيه إلى قناة موحدة لإنتاج الخطاب الرسمي، سيما والانتخابات في مرحلة تحري الرؤية كما أن البلاد تنتابها الأزمات وتكاد تقصم ظهرها إن لم تكن قد فعلت ؛ فالتصريح الذي أدلى به مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور غندور قبل أيام قليلة ؛ و يعد –التصريح- (حالة لوحده) تستحق الوقوف عندها لأن من أطلقه عرف بالدقة ورزانة الخطاب ؛ إذ أن التصريح في سياقه أقرب إلى قاموس المعارضة وهو ينسف (المداميك) التي وضعتها الإنقاذ منذ مجيئها بقوله : (فشلنا فى تحقيق الدولة التى نريد)، والتصريح في بوحه الصريح كفيل بإعلان موت الحزب الحاكم (إكلينيكياً)، وهو مقبل على انتخابات استثنائية بظروفها وواقعها الماثلين، فيما عد محللون سياسيون ل(المستقلة) ان التصريح المنسوب لنائب رئيس الجمهورية؛ والذي يقول فيه (أي تغيير مرفوض)، واعتبروا أن العقل السياسي الحاكم ينتج من التصريحات ما يخرس دعايته الانتخابية ، واستطردوا "هل من ناخب عاقل يمنح صوته لأعداء التغيير بحسب مقتضي التصريح"، وواصل محلل فضل حجب اسمه ان التصريحات تمضي في غرائبيتها ولا تتوقف عند محطتي البروف أونائب الرئيس بل تنتقل عدواها لتصيب المعارضة وأعراضها تظهر أول ما تظهر على المحامي علي محمود حسنين زعيم الجبهة الوطنية العريضة في هجومه على مندوب الخارجية الألمانية المسؤول عن ملف السودان بسبب ما أسماه (تحامله على المعارضة السودانية)، مؤكداً أن نظام الإنقاذ بات ينفذ أجندة الغرب، وزاد حسنين ضمن حديثه عبر الندوة التي أقيمت بمدينة توتنجهام بالمملكة المتحدة بعنوان (النظام بين مطرقة الإسقاط وسندان الحوار)، ومضى حسنين في قوله متهماً المسؤول الألماني بأنه يدافع عن نظام الإنقاذ ويحمّل المعارضة في ذات الوقت مسؤولية ما جرى وما يجري من أحداث بالبلاد)، وما يمكن قراءته من وراء هذا التصريح نجاح الإنقاذ في إدارة ملف العلاقات الخارجية والغرب خصيم الأمس يحوله زعيم المعارضة العريضة حليفاً للإنقاذ بل وينصب عدو الأمس نفسه محامياً لتقديم دفوعات عن أوزار الإنقاذ والتي قال عنها القيادي بالمؤتمر الشعبى (إبراهيم السنوسى)، (عفا الله عما سلف ونسأل الله أن يغفر لنا)، وغرائبية التصريحات في سلسلتها المتوالية تبلغ مداها حين ينبري نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن متجرداً من بهرج الدنيا وزينتها لا ليردد الشعار القديم ( هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه)، وهو يقر أمام جمع كريم من المسؤولين خلال افتتاحه مجمع نيابات الخرطوم شمال (بأن أكبر مهددات المؤتمر الوطنى هي دعوات المظاليم لا سلاح المتمردين)، فإذا جردنا التصريح من نبرته السياسية تبقى القاعدة العدلية المعروفة (الاعتراف سيد الأدلة)، وكذلك في الأثر (دعوة المظلوم لا ترد) ولإفلاطون دلوه فى السياق(من كان أقل من عادل فهو أقل من إنسان)، إذاً نائب الرئيس يقر ضمنياً بأنه (ياما في البلاد مظاليم) وحتى لا نجتزىء التصريح من سياقه فأن نائب الرئيس زاد بأن الإنقاذ جاءت من أجل تمكين دين الله في الأرض لذلك تعمل على بسط العدل بين الناس، المقام هنا ليس مقام محاكمة إلا أن حديث نائب الرئيس جاء متسقاً ومناسبة الخطاب إلا أنه فى نفس الوقت متناقض مع الظرف الاستثنائىي للوطني وهو يخوض انتخابات غير الانتخابات التي سبقت بدليل أن معظم التصريحات الراهنة فيها تهديد ووعيد للمخربين ونوايا عرقلة الانتخابات، بينما الواقع يقول خلاف ذلك ويمكن تأكيد تخبط وتعدد الخطاب السياسي و(تحريره) داخل المنظومة السياسية الحاكمة بغياب المؤسسية، وهذا له تأثيراته السالبة، إذ أن توحيد القناة المنتجة للتصريحات يحفظ للحكومة ملامح الوجه السياسي، وفي الذاكرة تصريحات شبيهة عديدة لا مجال لحصرها. [email protected]