إذا كنت أواصل ووقفتي مع الأخ صلاح حول تعقيبه الذي أفرط فيه في مدح الحكم الوطني بانجازات زائفة بحساب مردودها الخطر والقاتل المميت على المواطن السوداني أود أن أوضح له إنني عندما أتحدث عن حسرة المواطن على الاستعمار ليس المعنى بها الدعوة لعودته ولكن المعنى بها إن الحكم الوطني يتعين عليه عندما يقدم على أي خطوة لابد أن تعود منها منفعة اكبر للمواطن مما كانت تتوفر له في عهد الاستعمار حيث إن هذا هو المعيار الوحيد للمقارنة لان أي خطوة يقدم عليها الحكم الوطني تأخذ من المواطن ما اكتسبه من الاستعمار فإنها تصبح محسوبة على الحكم الوطني ولا يجوز أن تكون مبرر لتميزه يا أخ صلاح وهذه هي الحقيقة بكل أسف فهل يجوز أن نحسب للحكم الوطني انه حقق انجازا في العلاج بما وفره من مستشفيات تكلف المواطن ملايين الجنيهات أن عجز عن توفيرها يرحل ضحية لعدم قدرته المالية فهل يعلم الأخ صلاح إن أي أسرة اليوم لا تملك أن توفر عشرة ملايين على الأقل لمواجهة أي حالة مرضية خطيرة مفاجئة في أي وقت من الليل فكم من الأسر تملك توفير هذا المبلغ احتياطي للطوارئ مما يعنى إن أغلبية الأسر السودانية تواجه خطر مداهم أي مرض مفاجئ فكيف نمى واقع كهذا على الاستعمار الذي وفر العلاج مجانا ناهيك عن التدني الذي أصاب العلاج وتوابعه رغم تكلفته العالية مما يضاعف من سوءات ما أقدم عليه الحكم الوطني ولهذا الفهم فالمقارنة بين العلاج تحت الاستعمار مقارنة بالحكم الوطني يؤكد حجم الكارثة التي حلت بالمواطن تحت الحكم الوطني . وما شهده التعليم لا يختلف عن ما شهده العلاج تحت الحكم الوطني ففي عهد الاستعمار وان لم يشهد هذا الكم الهائل من المدارس الخاصة التجارية وانهيار المستشفيات الحكومية وما يتكلفه العلاج من مبالغ فوق قدراته وطاقته الأمر الذي حال دون أن يتوفر العلاج له فان العلاج مع قلة مستشفياته واعتماده على المراكز الصحية ذات التأهيل العالي في كل مناطق السودان فانه كفل للمواطن العلاج مجانا بما في ذلك توفير الأدوية الصالحة لان الدولة المصدر الوحيد لتوفيرها وليست سوقا فاسدا لتحقيق الأرباح الباهظة منه لمصلحة ملاك الصيدليات ومستوردي الأدوية فانه لم يحدث أن لفظ مستشفى مريضا يحتاج للعلاج كما يحدث الآن حتى في المستشفيات الحكومية فكيف إذن نعتبر ما أصاب التعليم من تكلفة وتدنى في المستوى على كافة مستوياته وعلى رأسها عدم كفاءة المعلمين كيف تعتبره تميزا على الاستعمار الذي أنشأ المدارس والمعاهد والجامعة على قلتها بالمجان وسكن وإعاشة وإعانات مادية مراعاة لواقع المواطن فان كان الحكم الوطني وسع منه مع الحفاظ على هذه المكاسب للمواطن لكان جدير بالاحترام ولاعترفنا انه الأفضل ولكنه فعل عكس هذا تماما. وإذا كان الأخ صلاح يقلل من عدد الأطباء مقارنة بالمستشفيات التي اكتظت بأطباء اسما يفتقدون الحد الأدنى من التأهيل فان مردود هذا الكم الهائل من الأطباء افتقار المستشفيات لأهم مقومات العلاج لكثرة ما تشهده المستشفيات من أخطاء طبية يتساقط بسببها عشرات الضحايا يوميا. فهل يعلم الأخ صلاح إن جامعة الخرطوم التي عاب عليها انه وحيدة لم تكن لتقبل في كلية الطب إلا المميزين من الطلاب لأنه لم يكن دافعها أن تجنى منهم المال والإرباح فلقد كانت هذه الجامعة تخضع كل طلاب العلوم لسنتين تمهيديتين تختار منهم أميز ثلاثين أو أربعين طالبا لكلية الطب حتى تضمن سلامة المرضى لان قيمة المواطن هي الأعلى فكيف حال كليات الطب الخاصة التي فاضت بها الطرقات والمعيار عندها قدرة أسرة الطالب المالية ليدفع الملايين للجامعة حتى أصبح المال المعيار لقبول طالب الطب ناهيك عن الخريجين الذين يتوافدون بآلاف من مؤسسات تعليمية غير معتبرة في دول همها حصد المال منهم والذين لن تكن تقبلهم مستشفيات الاستعمار ولا تعترف بشهاداتهم فهل يمكن للاتجار بحياة المواطن على هذا النهج يميز الحكم الوطني بهذا الكم الهائل من المستشفيات والحشد من الأطباء الذين يحملون شهادات طبية اسما هي حصاد ما دفعوه من مقابل مادي لنيل شهادة يذهب ضحايا لها المئات يوميا وهو ما تشهده مستشفياتنا