بسم الله الرحمن الرحيم المراقب لواقع التعليم التقني في بلادنا يلاحظ الإخفاقات الكثيرة التي مرّ بها هذا النمط المهم من التعليم بالرغم من أن النهوض به وقطف ثمراته من شأنه أن يحقق عدة أهداف تنمويه اقتصادية واجتماعية وصناعية ولكن في ظل غياب المؤسسية والتكريس للشللية ، والاغتيالات المهنية ، وتغليب المصلحة الذاتية وضعف التمويل وتضارب السياسات وعدم العناية بالجودة والتقويم وبناء القدرات والتدريب والتأهيل ، والرضا الوظيفي للموارد البشرية ،وسوء الإدارة... كل ذلك جعل هذا النوع من التعليم يتجمد ولا ينطلق نحو إحراز الأهداف الجوهرية المرجوه منه. ثم صدر قرار مجلس الوزراء رقم 273 لسنة 2014م الذي قضى بانشاء جامعة السودان التقانية ، وقد جاء في المذكرة التفسيرية لهذا القانون التي اعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن فكرة جامعة السودان التقانية قد جاءت لتلبية حاجة البلاد إلى جامعة تقانية تدعم إستراتيجية الدولة الرامية إلى زيادة وتطوير هذا النوع من التعليم حيث يتميز السودان بثروات طبيعية ومعدنية كبيرة تحتاج إلى السواعد التقانية الماهرة لتوظيفها لنهضته وإعماره حتي يصبح في مصاف الدول المتقدمه اقتصاديا وصناعيا وتكنلوجيا ، وبالتالي فان هذه الأسباب تتطلب وجود جامعة تقانية تضم جميع الكليات التقانية التي تم إنشاؤها في السابق. وقد نصت المادة (1) من قانون الجامعة المذكورة أنها ذات شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة (هكذا) كما نصت المادة (3)- (3) أن الجامعة المذكورة تتكون من مجلس الجامعة والعاملين والطلاب والخريجين (لا غيرهم). كما نصت المادتان (7) –(8) على إنشاء مجلس الجامعة وتشكيله واختصاصاته وسلطاته إذ منوط به ( وحده) تحقيق أغراض الجامعة ووضع السياسات والخطط الرامية إلى تطويرها وتجويد أدائها وأجازة التقرير السنوي الذي يقدمه مدير الجامعة عن أدائها العلمي والإداري والمالي، وإصدار النظم الأساسية واللوائح اللازمة للقيام بإعماله واختصاصاته وممارسة سلطاته. ونص القانون بان رئيس الجمهورية هو راعي الجامعة ( كغيرها من الجامعات) وله الحق في أن يطلب موافاته بالمعلومات المتعلقة بكل ما يتصل بالجامعة ويجب على أدارة الجامعة تقديم تلك المعلومات. وبدهي أن أدارة الجامعة التي تستجيب لراعيها تتمثل في مجلسها لا غيره مثلها مثل بقية الجامعات . كما نصت المادتات (14)- (15) على تعيين مدير الجامعة واختصاصاته وسلطاته إذ هو المسؤول العلمي والمالي والتنفيذي الأول عن أداء الجامعة وتحقيقها لإغراضها . كما نصت المادتان (23) – (24) على إنشاء مجلس الأساتذة وتشكيله واختصاصاته باعتباره المسؤول عن الجانب الأكاديمي بالجامعة ويرأسه مديرها . كما أن المادة (21) نصت على أن تعيين عميد أي كلية بالجامعة يتم عن طريق رئيس مجلس الجامعة بناء على توصية مديرها بعد التشاور مع مجلس الكلية. علما بان الأحكام التمهيدية للقانون المذكور قد أشارت إلى أن الكلية يقصد بها أي وحدة علمية ينشئها مجلس الجامعة وتضم عدد من الأقسام وتشمل كلية الدراسات العليا (شئ ممتاز) والكليات المنتسبة للجامعة . وقانون جامعة السودان التقانية يمثل في مجمله طفرة كبيرة نحو تحقيق المؤسسية والانطلاق بالتعليم التقاني نحو الاّفاق القومية المرجوة . وبما أن القانون نص على أن هذه الجامعة لها شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة وان مجلسها هو الجهة المنوط بها تحقيق أهدافها باعتباره يمثل المرجعية الأكاديمية والادارية والمالية فيها ،وان مديرها هو المسؤول التنفيذي الأول ويعد رئيسا لمجلس الاساتذة ، فيكون من الخطل وجود مواعين اخرى تريد أن يكون لها تدخل مباشر في الشأن الأكاديمي والإداري والمالي لهذه الجامعة . فالمجلس القومي للتعليم التقني والتقاني لايزيد عن كونه يمثل رابطة تنسيقية لهذه الجامعة وغيرها من مؤسسات التعليم التقني والتقاني كما يفهم من روح القانون الذي أنشئت به . أما أن يتدخل هذا المجلس مباشرة في تكوين لجان تتعلق بوضع هياكل الجامعة واللوائح المنظمة لإعمالها وعلاقتها بالجهات الأخرى فهذا لا نجد له سندا في قانون هذه الجامعة ويعد خرقا للمؤسسية وتغولا على سلطات واختصاصات مجلس الجامعة . والشئ الذي يضاد طبيعة الأشياء أن تكون هذه الجامعة تحت إشراف أي جهة بخلاف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . ودون استثناء نجد أن جميع جامعات العالم تكون تحت إشراف وزارات التعليم العالي. وقرار إنشاء الجامعة رقم (273) الصادر من مجلس الوزراء بتوقيع رئيس الجمهورية نص على أن تقوم وزارات شؤون رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والعدل والتعليم العالي والبحث العلمي والجهات المعنية الأخرى باتخاذ إجراءات تنفيذ هذا القرار. فأين موقع وزارة التعليم العالي من تنفيذ هذا التوجيه الرئاسي ولماذا لا تنفذه؟! وعند مناقشة هذا القانون في المجلس الوطني نشرت بعض الصحف أن وزيرة التعليم العالي قد اعلنتها مدوية أمام المجلس انه في حالة تبعية الجامعة المذكورة إلى أي جهة أخرى فان ذلك يعني ضبابية مستقبل طلاب هذه الجامعة. كما أعلنت وزيرة العمل التي تسلمت ملف التعليم التقني والتقاني لعدة سنوات في نفس الجلسة التي عقدها المجلس الوطني لمناقشة قانون جامعة السودان التقانية بانها قد رفعت مذكرة لمجلس الوزراء توصي فيها بتبعية هذه الجامعة لوزارة التعليم العالي باعتبار أن هذا هو الشئ الطبيعي الذي يتفق مع المنطق. هذا بُعد نظر وسعة أفق من الوزيرتين الكريمتين وتغليب للمصلحة القومية وفهم ثاقب لطبيعة الأشياء فجزاهما الله خيرا . ومصداقا لقول الوزيرتين فان الكليات التقانية مازالت حتى الآن تصدر ديباجات الامتحانات الفصلية للطلاب بعبارة (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- هيئة التعليم التقني) وكذلك تصدر شهادات التخرج حتى الآن بنفس هذه العبارة ولها أختام تخص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. إن نافذة القبول للجامعات والمعاهد العليا والإشراف عليها وتوثيق شهادات خريجيها هي نافذة واحدة لا غيرها تتمثل في إدارات وزارة التعليم العالي . والشئ الطبيعي أن يقف الجميع في صف واحد بجعل هذه الجامعة تسير في مسارها الطبيعي فتكون تحت إشراف التعليم العالي مع مراعاة خصوصيتها (اكرر :خصوصيتها) فلا تكون نسخة من أي جامعة موجودة في بلادنا كما يريد لها البعض ذلك . ويقتضي الأمر الإسراع بتكوين هياكل هذه الجامعة وفقا لما قرره قانونها حتى لا يحدث فراغ إداري تنتج عنه ظاهرات سالبة ترمي بشررها على الطلاب والعاملين . نسأل الله عز وجل أن يقيض لهذه الجامعة مديرا قويا امينا يخشى الله ويتقه،يكون من ذوي التخصصات الهندسية النادرة والكسب الإداري الرفيع والمنهجية العلمية الراقية والدراية الوافية بالأم وأوجاع التعليم التقاني وان يكون من ذوي الدراية الكبيرة بهندسة النفس البشرية حتى يتعامل برقي مع العاملين في هذا الحقل المهم فيحفظ لهم كرامتهم ويسعى سعيا حثيثا ليحقق لهم الرضا الوظيفي، ويجمع شملهم ليعملوا وفقا لأسس الجودة وروح الفريق من اجل تحقيق المقاصد القومية السامية لهذه الجامعة، انه ولي ذلك والقادر عليه . د. صلاح الدين الخليفة احمد الحسن احد منسوبي جامعة السودان التقانية ت/ 0126298486