في صالة المغادرة بمطار الخرطوم تجتمع دوما ثلاثية الفراق ( الدموع و العبرات والشوق) ، ومهما كثر حلنا وترحالنا الا ان مرارة لحظات الفراق تظل كماهي دائما محتفظة بنفس طعم الحنظل. اول امس غادرت ارض الوطن الي (القاهرة) ضمن بعثة لحضور احدي الدورات التفاعلية ، وفي صالة المغادرة بالمطار ظللت ارقب لحظات الفراق والم الوداع عند الآخرين. ومابين ام تودع ابنها ،وزوج يودع زوجته، وفتاة تودع اهلها،كانت الدموع والاحضان سيدة الموقف ، وعلي الرغم من ارتفاع سقف الوداع عند البعض والذي يدخلهم في حالة وداع هستيري عبر النشيج والكثير من القبل والاحضان الطويلة الا انها تظل لحظات خاصة تعبر عن حالة داخلية يعيشها احدهم . احيانا يخيل الي ان صالة المغادرة في مطار الخرطوم هي بوابة الاحزان ، واحيانا اخري يخيل الي انها طاقة للفرج وانها من احب الاماكن لدي السودانيين وذلك بسبب العنت والمشقة وسوء الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلد. واحيانا ايضا يخيل الي ان المسافر يبكي علي حال اهله الذين تركهم خلفه ، او ان المودعين يبكون علي حالهم وعدم استطاعتهم الخروج من البلد. علي كل يبقي القاسم المشترك الكثير من الالم والحزن والدموع. ورغما عن هذا وذاك الا اني علي يقين ايضا ان الجميع تنقبض قلوبهم لحظة ختم الجواز والحصول علي كرت الطائرة . عندها يكبر الاحساس بالوطن ويزيد حتي يصبح عبرة عظيمة لحظة ربط حزام الامان. ان الذين يكثرون من الاسفار تتشابه عليهم المحطات والمدائن ويعتادون ارصفة الوداع ووجوه الطائرات ، ويصبح السحاب والفضاء والطعام البارد جزء من احداثيات حركتهم ولكنهم رغم ذلك وفي كل رحلة يحزمون مع امتعتهم حقائب الشوق. والشوق مخالفة صريحة لقانون بقاء الاجانب ، وهو السبب الرئيسي في الابعاد الي ارض الوطن. والشوق حالة لاترتبط ابدا ببعد المسافة من الاوطان او بمقدار المدة الزمنية التي نغيبها ،بل الشوق يرتبط اصلا بمانحمله من اسماء واماكن داخل ذاكرتنا وبماتعنيه لنا تلك الاسماء وماترتبط به تلك الاماكن ،لذلك يبقي الشوق عضلة اساسية تجعل قلوبنا تعمل بكفاءة اعلي . لذلك لاتحاولوا التخلص من اشواقكم عند استلام امتعتكم لأن الشوق مثل الرمال المتحركة كلما حاولنا التخلص منه غرقنا داخله اكثر....؟؟ و......مشتاقين *نقلا عن السوداني