*(يعمد الطاغية إلى إفقار مواطنيه حتى ينشغلوا بالبحث عن قوت يومهم ومن ثم لا يملكون وقتاً كافياً للتأمر عليه..). -أرسطو- .. قرأت في صحيفة محلية خبراً يقول إن مواطناً من سنغافورة حكم عليه بالسجن تسعة أشهر و خمس جلدات. لكنه تلقى ثماني جلدات بدل الخمس عن طريق الخطأ. و بالرغم من أن المحكمة أقرت بالخطأ وأعربت عن أسفها، و أن المدعي العام حاول التوسط طالباً السماح من المحكوم، إلا أن الرجل ركب رأسه ورفض التأسف والوساطة وطالب بتعويض وقدره (209) آلاف دولار ثمن الجلدات الثلاث التي نالها ظلماً وعدواناً. بعد قراءة الخبر، أحسست بآلام تسري في جميع أنحاء جسدي وحاولت أن أتذكر عدد الجلدات التي نلتها اليوم، والبارحة وأول البارحة، وفي هذا الأسبوع، ومتوسط عدد الجلدات في الشهر، وفي السنة، ثم شطح بي الخيال حول العدد التقريبي للجلدات التي ينالها أمثالي من المواطنين شهرياً، فتبين لي أن ذلك يحتاج إلى مؤسسة إحصائية للوصول إلى نتائج مقبولة.. فالراتب الذي نقبضه أول كل شهر هو مجموعة جلدات. وغلاء المواد التموينية، والكهرباء والماء إضافة إلى انقطاعهما المتكرر هي أيضاً جلدات موجعة،وبعض تصريحات المسؤولين لا تخلو من هذا الفعل . وفقدان الوقود والغاز والحاجات الأخرى الضرورية. وأسعار العقارات والإيجارات ماذا نقول عن ذلك سوى أنها تجلد المواطن في عقر جسده. والتباين الشاسع بين الأحياء الراقية والأحياء الشعبية، والفرق أيضاً بين المواطن الذي يحتار كيف يبعزق ماله ولا يعرف مقدار أرصدته في البنوك المحلية والعالمية، وبين المواطن الذي بالكاد يحصل على قوت عياله، مع هذا و ذاك يتساويان في حمل لقب مواطن وبطاقتاهما الشخصيتان متشابهتان ويقبع اسماهما في سجل نفوس واحد، وبنفس الخط الرديء لموظف الأحوال المدنية. أعود إلى مواطن سنغافورة الذي طالب المحكمة بتعويض عن الجلدات الثلاث.. فأتساءل، لو أن واحداً منا رفع قضية إلى المحكمة يطالب بتعويض عما أصابه من جلد ... ترى بكم جلدة ستحكمه تلك المحكمة؟. [email protected]