أوضحت في المقالة السابقة انه لو أجريت دراسة إحصائية لمقارنة ما كان يقدمه الانجليز من خدمات ضرورية للشعب أو بتعبير أدق للمواطن مجانا من تعليم وعلاج وغيرها دون أن يستنزف جهاز الدولة جيب المواطن وقارناه مع الحكم الوطني الذي غيب هذه الخدمات الضرورية عن المواطن بعد أن أصبحت بالمقابل المادي وبتكلفة عالية فوق طاقته كما إن الدولة في نفس الوقت تستنزف المواطن ماديا لعرفنا حجم الفارق بين الحكم الوطني والأجنبي ولا أدركنا إن المال في عهد الاستعمار كان مال الشعب يوجه بكلياته للمواطن دون أن تستنزفه الدولة ماديا مما يؤكد لو إن الدولة في عهد الحكم الوطني هي الشعب لما كان هناك معيار لصرف المال العام لغير مصلحة المواطن ولكن لان الحكم الوطني الذي حرر السودان من الاستعمار ألت فيه سلطة المال العام لجهاز الدولة والحكم وليس للشعب مما افرز مفارقات كبيرة لا يقيلها منطق متى قارنا حقوق المواطن تحت الحكم الوطني مع الاستعمار. وقبل أن نتوقف مع جهاز الدولة وأجهزة الحكم التي تضخمت حتى اصطبحت نفسها عبئا على المواطن ترهقه ماديا وتستنزف جيبه المعدم والحديث حول هذه المفارقة سيطول إلا إنني أتوقف اليوم في محطتين هامتين تؤكدان كيف إن الحكم الوطني جاء خصما على المواطن صاحب الحق وكيف انه لم يعد المالك للمال العام. من منكم يصدق إن قانون المرور وإجراءات المرور في عهد الاستعمار كانت تشترط على سائق أي عربة أن تكون عربته أولا مرخصة حتى يكون مسموح لها أن تتحرك في الشارع وان يكون سائق العربة حائز على رخصة قيادة وذلك حرصا على حياة المواطن من مخاطر العربات غير المرخصة والتي تتهدد حياة المواطن وكذلك سائق العربة أذا لم يكن مرخصا له قيادة عربة في الشارع العام ولان هذين الشرطين قصد بهما حماية المواطن فلقد كانت أجهزة المرور منى اتضح لها إن أي عربة عير مرخصة فانه يتم إيقاف العربة وتحويلها لإدارة المرور حتى تحوز الرخصة مع معاقبة مرتكب المخالفة كما تفعل إدارة المرور ذات الشيء إذا كان سائق العربة لا يحمل رخصة قيادة فان إدارة المرور تحجز العربة وبهذا فإنها لا تسمح لأي عربة غير مرخصة أو بدون رخصة قيادة أن تواصل السير لان هذه المخالفة خط احمر لأنها تتعلق بحماية المواطن وتهديد روحه ولكن بذمتكم انظروا اليوم ما تشهده شوارع السودان حيث ينتشر رجال المرور في كل الطرقات يترصدون العربات ولما يكتشفوا إن العربة غير مرخصة وبالتالي يفترض أن تحظر من السير في الطرقات حماية للمواطن من مخاطر العربات ولكنهم بدلا من حجز العربة ومنعها من السير يلزم مرتكب المخالفة بسداد غرامة مالية للخزينة العام وبسداد الغرامة تواصل طريقها بعد سداد المعلوم بالرغم من إنها غير مرخصة وتشكل خطرا كبيرا على المواطن وهكذا الحال مع أي سائق سيارة لا يحمل رخصة قيادة فانه يسدد المعلوم للخزينة ويواصل قيادة السيارة بدون رخصة فانظروا كيف أصبحت عقليتنا تحت الحكم الوطني بحيث أصبحت مخالفة القانون سلعة تسمح بها الدولة مقابل السعر المعلوم حيث أصبح تحقيق العائد المادي للمخالفة أهم من حماية المواطن فهل كان هذا ليحدث لو إن المواطن والشعب هو صاحب القرار والسلطة فكيف له إذن أن يتهدد حياته مقابل تغذية الخزينة العامة بالغرامات المالية بعد إن لم تعد حماية المواطن هي الأساس وإنما الأساس تغذية الخزينة العامة بالمال يعلو مصلحة المواطن. ترى كم هم عدد ضحايا هذه السيارات غير المرخصة أو التي يقودها سائقون بدون رخصة والتي تملأ الطرقات وهى غير مرخصة إلا إنها تملا الخزينة بالمال مقابل دم المواطن المهدر بسبب حوادث السيارات فكيف أصبحت تغذية الخزينة بالمال يعلو مصلحة المواطن وهل كان هذا الحديث لو إن المواطن والشعب هو السلطة فهل هناك شعب لا يعرف مصلحته لو لم يصادر حقه في القرار. ويبقى السؤال: كيف نفهم انه كلما امتلأت الخزينة بالمال أصبح التعليم والعلاج بالملايين ؟. وكوني معي مع مسلسل المفارقات عندما نقف على حجم الدولة وأجهزتها وما تتكلفه من الخزينة التي أصبح مصدر تغذيتها المواطن نفسه فهل يحق لنا أن ندعى تحت الحكم الوطني إن الشعب هو الحاكم وهو السلطة.