إنتهت الانتخابات أياً كانت النتائج فهذا أمر لا يزال غباره عالقاً ويبدو انه سيكون كذلك لسنوات مقبلات، ولكن ما أقصده في هذه الزاوية هو النجاح منقطع النظير الذي حققته الانتخابات في اطار كشف زيف الكثير من الحقائق التي ظل حزب المؤتمر الوطني يصم بها اذان المتابع، والتي اتضح تماما بانها لا تعدو عن كونها أكوام من الصوف نثرتها الانتخابات علي وجوه قادة الحزب الحاكم الذين يدعون بان حزبهم هو حزب الاغلبية. بل وكشفت نسب التصويت الأولية عورة الحزب الذي يتدثر بعشرة ملايين عضو مسجل بحسب زعم رؤوسه الكبار، وليس أصدق من ذلك قول أحد منسوبي حزب المؤتمر الوطني وهو مشرف على أحد مراكز الاقتراع بجنوب الخرطوم حين قال في حديثه معي أن نسبة التصويت في اوساط عضوية الحزب ضعيفة جدا بعد مقاطعة الشباب للتصويت لأن لديهم مطالب لم تلتزم قيادة الحزب بتنفيذها بل لم تستمع إليها حتى .. وبالوقوف غير المتأني حول عِبر ما اجري من انتخابات يلحظ المتابع أن هناك عدة عوامل أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في كشف تلك الحقائق الصادمة لقادة الحزب الرائد، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر التفلتات اللفظية التي صاحبت حملات المؤتمر الوطني الانتخابية، واللغة الجارحة التي استخدمها بعض رموزه من اجل تشويه صورة خصومهم من المعارضة، ولكنها اخطأت الاهداف وارتدت عليهم وبالاً، مما يعكس مدى الضعف البائن وانعدام التنسيق بين امانات الحزب الحاكم في كيفية ادارة الخطاب الاعلامي وضبطه،وهو الامر الذي فشلت فيه امانة الاعلام تماما، بدليل أن امين امانة الاعلام بالمؤتمر الوطني ياسر يوسف لم يسلم الناس من لسانه وهو يصف مقاطعي الانتخابات ب(أراذل القوم)، في خطابه الشهير امام عضوية حزبه بأمبدة، وقال يوسف كلماته تلك وهو في غمرة انفعاله بالنصر الموعود، غير انها صبت عليه وعلى حزبه حمما جديدة من الغضب الشعبي اللا متناهي، وقس على ذلك ما ظل يردده رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د. مصطفي عثمان من عبارات وهو يبث من خلالها سموما في كل الاتجاهات بلغة تؤكد حالة الفقر التي يعيشها حزب الملايين بعد ركون صقوره وكبار لاعبيه امثال نافع وطه وغيرهم في "كنبة الاحتياطي " كما يقول اهل كرة القدم. فمصطفي عثمان خالف طرحه الذي كان دائما ما يوصف من قبل المراقبين بلغته الدبلوماسية الناعمة وارتدى جلباب غيره وأعمل سيف لسانه استفزازا لمشاعر سامعيه، هذا بالاضافة الي أن قادة الحزب الحاكم ومن ضمنهم مصطفي وياسر وغيره روجوا لحملة "ارحل" التي طرحتها قوى نداء السودان اكثر من اصحاب الحملة الذين لزموا الصمت بعد أن رأوا رايات حملتهم ترفرف في كل منبر. و"قطع شك" بان الكثير الذين التزموا بحملة ارحل وقاطعوا عملية الاقتراع لم يسمعوا بالحملة من قبل المعارضة وانما سمعوا بها من قبل قيادات المؤتمر الوطني التي زعمت بان هجومها علي حملة "ارحل "، سيعمل علي تسخين الانتخابات كما قال مصطفي عثمان بصريح العبارة في منبر نظمه المركز السوداني للخدمات الصحفية بان حملة أرحل " سخنت لينا الانتخابات". كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن حزب المؤتمر الوطني يعاني ازمة داخلية، برزت وبشكل واضح خلال عملية الانتخابات التي تمت مؤخرا وذلك يتمثل في هشاشة الامانات التي يقع علي عاتقها امر الخطاب السياسي والتعبوي والاعلامي والتي ينعدم بينها التنسيق في الطرح، مما انتج خطابا اعلاميا متناقضا وبلغة مستفزة افقدت الحزب قاعدة كبيرة من انصاره ان كان له انصار في الاساس . [email protected]