بعد عشر سنوات من الحرب و الإقتتال في دارفور، دخلت الحرب مرحلة جديدة في الاقليم المنكوب، الذي شهد أسوأ أنواع الانتهاكات الانسانية، و فظائع الحروب ، في تاريخ السودان الحديث. أدخلت قضية الحرب في دارفور الدولة السودانية في مواجهات مع المجتمع الدولي، حيث أصدر مجلس الامن عدداً من القرارات بشأن الأوضاع في الاقليم، و إرسال لجنة تقصي حقائق، التى أوصت بنقل ملف القضية الى المحكمة الجنائية الدولية، التى اصدرت مذكرات اعتقال لقيادات بارزة في النظام و قائد في مليشيا متحالفة معه، ليتطور الأمر بالمطالبة بالقبض على رأس الدولة، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ولكن بعد توقيع اتفاق الدوحة للسلام، بين حركة التحرير و العدالة بقيادة الدكتور التجاني السيسي و الحكومة السودانية، قبل عامين، دخل الاقليم في حالة هدوء و استقرار نسبي، ما حفز الاطراف الدولية والمحلية، للتفاؤل بحلول السلام و الاستقرار في دارفور، مما دعا المجتمع الدولي أن يطلق دعوات إعادة الاعمار و التنمية للاقليم المنكوب، الا أن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، بعد إنفصال دولة جنوب السودان، و اندلاع الحرب في منطقتي النيل الازرق و جنوب كردفان، دخلت البلاد في مرحلة سياسية جديدة، حيث واجهت حكومة الشمال أزمة اقتصادية طاحنة، جعلتها تعلن عن سياسة تقشفية قاسية، كما تراجعت قيمة العملة المحلية الى مستويات كبيرة، وظل التضخم في حالة ارتفاع مستمر، ليقارب نسبة ال50%، لترتفع أسعار المواد الغذائية بصورة جنونية، ما جعل الحكومة توجه بموجة احتجاجات و مظاهرات جماهيرية غاضبة في شهري يونيو و يوليو من العام الماضي، مناهضة لسياسات الحكومية الاقتصادية . كل تلك الاجراءت انعكست على أهل الاقليم، الذين ظلوا يعيشون في ظروف قاسية بفعل الحرب الطويلة، فضلاً عن تدهور الاوضاع الاقتصادية، ليدخل الاقليم من جديد الى مربع حالة الانفلات الأمني و عدم الاستقرار، لكن هذه المرة داخل المدن الكبيرة ،التى شهدت أبشع الجرائم و الاغتيالات، و حالات السطو على البنوك، واختطاف رجال الاعمال و عامل الاغاثة، لتصل قمة الفوضي في عملية اطلاق سراح مجرمين من قفص الاتهام أمام القاضي من داخل محكمة في نيالا. و بعد إعلان الحركات المسلحة، التى لم توقع على اتفاق سلام مع الحكومة، تحالفها مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، والذي أطلق عليه تحالف الجبهة الثورية السودانية، الذي تبني توحيد الفصائل المسلحة عسكريا في دارفور و جنوب كردفان والنيل الازرق، من أجل اسقاط النظام بالقوة المسلحة، عادت المواجهات المسلحة من جديد بصورة أشرس، في دارفور بين الحكومة والفصائل المسلحة، في منطقة جبل مرة، لترتفع حدة الصراع بدخول حركة مناوي المعركة بعد انهيار اتفاق ابوجا، لتنقل الحرب الى منطقة ( الناموسية) جنوبنيالا على الحدود مع دولة افريقيا الوسطي، بالهجوم على مدينة أم دافوق، (اطلق علي المنطقة الجنوبنيالا بمنطقة (الناموسية)، لانها لم تتأثر بالحرب طيلة العشرة سنوات من اندلاع النزاع المسلح في دارفور)، قبل أن تحتل مدينتين لبدو و مهاجرية في شرق دارفور. في يناير مطلع العام الجاري، دخل الصراع في دارفور، مرحلة جديدة و معقدة، حيث لم يكن الصراع في الاقليم بين طرفين الحكومة و الحركات المسلحة، كما كان في السابق، حيث دخلت اطراف عدة في الصراع بالاقليم، فاندلعت المواجهات القبلية العنيفة بين الأبالة و البني حسين في منطقة جبل عامر، التى أودت بحياة أكثر من 1000 من المدنيين و تشريد مئات الآلاف من المواطنين العزل، في منطقة السريف، ووصفت الأممالمتحدة القتال بين الطرفين بالأعنف من نوعه في الاقليم، و ذلك لاستخدام القبائل للأسلحة الثقيلة و المدفعية، في المعارك القبلية، كما اقرت حكومة شمال دارفور على لسان الوالي عثمان كبر، ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور التجاني السيسي باستخدم القبائل المتحالفة مع الحكومة السلاح الحكومي في النزاع القبلي في السريف. قبل أن تنتقل حمى الصراع القبلي الى ولاية وسط دارفور، بين المسيرية و التعايشة من جهة و السلامات من جهة أخري، في منطقة ام دخن على الحدود مع دولة تشاد، لتؤدي الى لجوء أكثر من 60 الف الى دولة تشاد، حسب احصاءات الاممالمتحدة، وقتل المئات وحرق عدد من القري، و التطور الخطير في النزاع القبلي في تلك المنطقة هومشاركة المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية قائد مليشيا التعايشة على كويشيب، حسب آخر تقرير لمنظمة هيومن راتس وتش، عن الصراع في المنطقة، و أكدت المنظمة الدولية ان اللاجئين الذين التقت بهم في تشاد أبلغوها عن مشاركة كوشيب في المعارك، و استخدام المسيرية و التعايشة، لأسلحة متطورة في الهجوم على القري. ثم انتقلت المواجهات الدامية بين القبيلتين الى منطقة رهيد البردي جنوبنيالا، حيث جرت الاشتباكات في شوارع المدينة، مما تسبب في مقتل العشرات، وتهجير المئات من قبيلة السلامات الى مدينة نيالا، ومناطق محلية عد الفرسان. لم ينقشع غبار تلك المعارك القبلية، حتى دخلت قبيلتا البني هلبة والقمر، في نزاع مسلح حول ملكية الاراضي والحواكير، في الشريط الحدودي بين محليتي كتيلا و عد الفرسان، لتتسع المواجهات القبلية المسلحة الى مناطق ( ام تكينة حرازة و كتيلا)، لتؤدي الى نزوح المئات الى محلية تلس و مدينة نيالا، كما اتهمت قيادات من قبيلة القمر القوات الحكومية بالمشاركة في النزاع مع قبيلة البني هلبة، مستخدمة سلاح الدولة في الصراع. ظلت الأجهزة الحكومية في دارفور، في حالة غياب، مع اشتداد المعارك القلبية، بل أتهم عدد من الاطراف الحكومة في الاشتراك في النزاع القبلي بصورة غير مباشرة، وذلك بتسليح القبائل لمحاربة التمرد، الا أنذات القبائل باتت توجه أسلحتها لقبائل أخري، في الصراع علي الأرض والموارد بالاقليم. و يري مراقبون للأوضاع في دارفور، ان انحسار سلطة الدولة هنالك واقتصار دورها علي تنظيم مؤتمرات الصلح الفاشلة، بين القبائل و إعلانها دفع الديات و التعويضات للمجرمين المشاركين في الصراع القبلي، يؤكد عدم قدرة الحكومة علي السيطرة على حلفاء الأمس، بالاضافة الى عدم توفر الأموال الكافية للصرف على مليشيا القبائل المتحالفة معها، جعل العديد منها تحاول السيطرة على الأرض و الموارد بالقوة، ووصفوا ما يحدث في الاقليم من تفلتات أمنية و تفاقم حدة الصراع القبلي بأنه بداية لانهيار سلطة الدولة المفقودة أصلاً في دارفور، خاصة مع تجدد النزاع في منطقة جبل عامر مطلع الاسبوع الجاري، و استمرار الاحتقان في مناطق القمر و البني هلبة، و تحذيرات المواطنين من تفجر الوضع بين السلامات و المسيرية في وسط دارفور. الميدان