في كل طيارة تغادر مطار الخرطوم هنالك العشرات من الشباب والنساء والكهول(من أمثالنا)،باعوا كل ما يملكون لتوفير تذكرة سفر إلي أي بلد بحثاً عن العمل والحياة الكريمة. وفي منافذ السودان البرية مع دول الجوار وعبر الصحاري،ركب الناس اللواري،وقطعوا الفيافي كيما ينفدوا بجلدهم من بلدهم الذي أصبح طارداً بصورة لا تحتمل. والبعض ركب السنابك(جمع سنبك)،ولسان حاله يقول(كل طائر مرتحل عبر البحر قاصد السفر)،وبالنسبة لهم فمخاطر البحر لا تقاس بالمخاطر التي يجابهونها في السودان. وفي وقت سابق عبر سودانيون الأسلاك الشائكة إلي إسرائيل وقالوا كما قال الفدائيين يوم أن رماهم نميري في العتمور(إسرائيل ولا المعاقيل). وكل ما غادر أي سوداني أصيل بلاده إلي سقط لقط،انبسط الكيزان،لأن جمهور الثورة السودانية نقص واحد من الناس. وكلما عاد أي مهاجر للوطن في إجازة،جرجروه في ضرائب المغتربين،وقطعوا عليه الطرق حتي يدفع قروشه لخزينة المؤتمر الوطني،فيخرج غاضباً لا يعود إلي هذا السودان إلا في تابوت . هذا السودان الشاسع المترامي الأطراف ليس مسجلاً باسم الكيزان في دفاتر الأراضي،وثرواته التي ينهبها التنابلة ليلاً ونهاراً،من المفترض أن تؤول ل(37)مليون شخص،هم أهل السودان بالإضافة للأجيال اللاحقة،والكيزان أنفسهم لم يحكموا بلادنا عن طريق الإنتخاب والتداول السلمي للسلطة،بل بالانقلاب العسكري الدموي،فارتكبوا من الجرائم ما يفوق(المحرقة الهتلرية)،وتبطش آلتهم العسكرية والأمنية بأي شخص يصنف في خانة المعارضين. لم تكتب علي شعبنا الذلة والمسكنة في يوم ما،ولن تكتب عليه مهما بلغت درجة القمع،والتغيير بالتالي ليس(فرض كفاية)إذا قام به البعض سقط عن الباقين. تسوء أحوال الشرفاء.. نعم ولم لا!! ويحمل الطلاب شهاداتهم إلي شارع العطالة،هذا هو الواقع،ويطارد الأمن الناس في معايشهم،نعم فهي سياسة النظام.. وبين هذه الظروف وتلك تطحن الضرائب والرسوم المواطنين،ويفصل ولدك من المدرسة بسبب عجزك عن دفع 50 جنيه هي رسوم يتحصلها الكيزان غصباً عن عينك،ويبهدلون(بنتك)أمام باب الجامعة لأن طرحتها خفيفة أو بلوزتها بلا أكمام،ويسوقونك قسراً إلي المحكمة لأنك لم تدفع جزية النفايات المردومة أمام بيتك.. الأحوال المذكورة أعلاه،هي التي تراكم الغضب،ضد السدنة والتنابلة الذين يستعبدون الناس ويتلذذون بتعذيبهم،والغضب حين ينفجر يصبح الموت من أجل الحرية حرفة المناضلين،والتظاهر والاحتجاج أمراً عادياً في الشوارع والميادين. إذن فليقعد الجميع في (نفس)الكيزان،وكما يناضلون من أجل اللقمة بالدرداقة والرقشة وبيع الشاي والكسرة ،فسيناضلون من أجل إسقاط حكم العسكر وشذاذ الآفاق(النكرة)،فليحرق الجميع تذاكر السفر والهجرة،وليركبوا (قطر الثورة)في مواجهة (فقه السترة)،من أجل كنس الحرامية من شندي وحتي(عترة)،لا يقولون كما قال الشنفري(وفي الأرض منأي للكريم عن الأذي)،بل يقولون كما قال عنترة(وإذا ظلمت فإن ظلمي باسل.. مر مذاقته كطعم العلقم). [email protected]