ومطلق وفعال مع ما يعتقد الأخر وهنا وإن كنا نؤمن بإعمال العقل فليس لنا أن ننكر أن الإنسان يظل في حاجة لتلك الروحانيات التي لا تخضع للتفسير العلمي والعقلي ، فعملياً كان أهالي الحي البسطاء بحاجة إلي الطبيب لأن زيت القنديل أضر بعيونهم ولكن نفسياً وعاطفياً لن يتقبلوا إهانه الطبيب للقنديل ليمثل الطبيب هنا الصراع بين ما أتي به من الغرب حيث العقل والعلم والتخلي عن الروحانيات ، والشرق حيث الموروثات والمفاهيم والروحانيات " قنديل أم هاشم يحي حقي " . وفي تلميح أراه هكذا حتى لو ليس هذا ما يقصده الروائي أن الإنسان ممثلاً في أهل الحي لا يتخلوا بتلك السهولة عن مورثاتهم اللامنطقية حتى وهي تفقدهم إبصارهم وقد يمثل الإبصار هنا التجسيد للمادة والملموس الذي جسدها العلم والعقل المتجرد من الروحانية والقيم الموروثة ، فكان الحل أن يعالج الطبيب بالعلم والعاطفة الموروثة وقد يري البعض أن هذه دعوة لأن نكون بين بين أو ردة علي الحضارة ولكن الأمر أبسط من هذا بكثير وليست دعوة للردة بقدر أن ما يجذب المجتمعات لتلك الردة هو التطرف للعقل وإنكار حاجة الإنسان لتلك الحالات الروحانية التي قد تبث فيه أمل لا يبثه العلم وتعطي راحة وسلام لا يعطيه العقل وحده . وانظر قليلاً نحو الغرب حيث المادية والعقلانية ستجد من عاد ينجذب هناك إلي عالم الميتافيزيقا والروحانيات والبحث عن سكان كواكب أخري وفضائيين وأشباح وهذا ليس إلا دليل أن الإنسان لا يستطيع بالملموس المادي الاستغناء عن اللا ملموس واللامنظور بل ستجد في تفاصيل حياة البعض وإيمانه بٌمدعي من ينتحر ومعه عائلته هرباً من يوم القيامة الذي حدده لهم هذا المدعي وهنا إن كانت فتاة الشرق فقدت بصرها بزيت القنديل ، فهناك من أبناء الغرب من فقدوا حياتهم لمعتقد خاطئ أيضا ، والشرق الغارق في طوفان الصراعات العقائدية والمذهبية وحولته مفاهيمه الخاطئة من أن يتحول المعتقد أو الدين لسر من أسرار سعادته لسبب شقائه والغرب الغارق في المادة والعقل أصبح ليس ببعيد عن هذا الشقاء فقد حوله جموده العقلي وتصوره أن تحقيقه لرفاهية مواطنيه وإعلاء قيم الإنسانية فقط لاستهلاكه المحلي دون إن يراعي ذلك في مستعمراته الجديدة وأسواقه الذي يمثلها الشرق فكان محرضاً تارة ومدبراً للسيناريوهات تارة مؤيداً بما يحمله الشرق من بيئة خصبة للخصومات والنزاعات من أجل الهوية والموروث جاهلاً أنه كثيراً ما يحدث خروج عن النص وأنه ليس بمنآي عن ما يحدث في الشرق فأن كان اليوم مصدراً لمراهقيه الذين باتوا يعتنقوا أفكار أشد الجماعات تطرفاً فأنه بعد قليل سيعاني منهم بداخل مجتمعه لأن التطرف المادي نهايته المحتومة هذا التطرف لأي معتقد أو مفهوم . وكأن علي الإنسان الشقاء بكل أحواله التطرف المادي يقتله، والتطرف الديني أيضاً يقتله. إذاً فليبدأ الحل من عندنا فإن كان علينا أن نظفر بما لدي الغرب من علم وتكنولوجيا فعلينا إن نسايره في عصره الذي يعيشه فليس من المنطقي أن ننعم بها ونحن نعيش في عصورهم الوسطي بصراعنا الطائفي والمذهبي ، وعلينا وعلي حكامنا أن نظفر بإكبارهم لنا واحترامهم لنا اجتماعيا وسياسياً ، وعلي الغرب أيضاً إن يخلع قناع الإنسان العصري الذي يرتدي وينظر لوجهه سيجد إنسان وحشي بدائي يقتل بصورة حضارية ويقنص باستخدام التكنولوجيا ، يمنح الدواء بيد والسلاح بيد آخري ، وبقي علي كل مؤمن أن يعي أن إيمانه يعنيه هو ولا يعني عداء إيمان الآخر أو كفره، أن يحترم أصحاب الإيمان والموروث أصحاب العقل ، وان لا يحتقر أصحاب العقل أصحاب الأيمان لأنه في يوم ليس بعيد سيقف أهل الشرق والغرب في محاولة أن يتحد اللا منطق مع المنطق والتكنولوجيا لبناء الفلك هرباً من الطوفان ولكن هيهات فتجار الدم والسلاح والحرب يؤججوا الصراع ولن ينجو احد من الطوفان . [email protected]