أختتم في هذه الحلقة أهم واخطر ما لحق بالمواطن من مفارقات لا يصدقها عقل بين واقعها الذي عايشه تحت ظل قطن الجزيرة كمصدر للعملة الصعبة وما عايشه لما أصبح دولة بترولية ومنتجة للذهب. للمواطن حقوقا لا يعلى عليها أيا كانت المبررات تتمثل في معيشته ومأواه وأمنه وتعليمه وعلاجه ولقد تناولت في الحلقات السابقة ما لحق به من تدنى في معيشته وماوأه بسبب ارتفاع معدل الأسعار لأضعاف مصادر دخله بجانب ما تفرضه عليه الدولة من جبايات وتكلفة عالية لتوفير خدماته الضرورية وأما أمنه فيغنى الحديث عنه ما تشهده ثلاثة ولايات منه لحروب أهلية بسبب الدوافع السياسية حتى أصبح مواطن هذه الولايات يهرب بحثا عن أي امن داخل السودان وخارجه بجانب انتشار المهددات الأخرى للمواطن في كبرى مدن السودان بصفة خاصة الخرطوم من عصابات النهب المسلحة والتي أصبحت لها مسميات ومنظمات بجانب تفشى خطر الاغتصاب والاختطاف للأطفال. أما هذه الحلقة اخص بها اكبر المفارقات التي شهدها المواطن وتتعلق بالتعليم وما يتبعه من فرص العمل والعلاج وتوفر الظروف الصحية له حيث إن ما شهده السودان في هذين المرفقين بلغ أقصى ما يمكن من الاستهانة والتفريط في حق المواطن. فالتعليم في عهد الاعتماد على قطن الجزيرة كمصدر أساسي وحيد لدخل الدولة من عملة صعبة وجنيه سوداني والذي أسس له الانجليز اللذين يفترض أن يكونوا اقل حرصا من الحكم الوطني عليه ظل مجانا حتى رحيلهم بل والمفارقة الأكبر انه لم يكن مجانا فحسب بل كان المواطن مدعوما من الدولة ماديا لتشجيعه للتعليم وحتى لا تحول الإمكانات عن رغبته فى التعليم خاصة إن السودان يومها لم يكن أهله متحمسين للتعليم لهذا شهد السودان نظاما تعليميا متسقا وفق تخطيط مبرمج وعلى ارفع مستويات الإعداد حيث يتم تأهيل المعلمين أنفسهم في معهد متخصص. لذلك ولم يكن المواطن مطالب بدفع المال ليتمتع بهذه الخدمة بل كان الالتحاق به بالمجان وتوفر كافة احتياجاته له بالمجان واهم من هذا كله انه كان على مستوى الثانويات لبعدها من مناطق السكن توفر السكن وكافة الخدمات بالمجان فكانت الثانويات متوفرة في اكبر عواصم المديريات الخرطوم ومدني والأبيض وعطبرة ويورتسودان لتغطية المناطق المحيطة بها وأما على مستوى الجامعة والمعاهد الفنية العليا المتخصصة يتمتع طلابها بجانب ذلك بالدعم المادي بما يسمى بالإعانات وقضى على هذا النظام بعد رحيل الانجليز إلا انه بدا تدنى خدماته من سنة لأخرى حتى قضى عليه في عهد اكتشاف البترول والذهب, كل هذا كان في عهد قطن الجزيرة. ولكن هل أنا بحاجة لان أحدثكم كيف أصبح حال التعليم وتكلفته المادية على المواطن .عفوا لن افعل ذلك لأنه ليس بينكم من لا يعيش هذا الواقع وحاجته لملايين الجنيهات ليعلم أولاده وعجبا لذلك الزمان فحتى المدارس الخاصة والأهلية وعلى رأسها الأهلية امدرمان ابتدائي وثانوي والمؤتمر فإنها كانت بالمجان ولم تكن لأغراض ربحية كما هو حال التعليم الخاص اليوم من الروضة وحتى الجامعات التي تحصد من المواطن عشرات الملايين من اجل أن يوفر التعليم لأولاده وهو ملا لا يملك الطالب أن يعوضه لو كان محظوظا وتوفرت له فرصة عمل لهذا لنترك الواقع الذي يعرفه المواطن يتحدث عن نفسه. أما العلاج بل والوقاية من المرض ورغم إن المواطن أكثر حاجة له من التعليم فما أصابه من تحول أسوا واقعا من التعليم لان العلاج هو حاجة الطفل والكبير بلا استثناء وهو ما يودى بحياته إن لم يتوفر له ومع هذا فما لحق به من انتشار المرض وارتفاع تكلفة العلاج وفساد أجهزته وأدويته ما بين عهد قطن الجزيرة وعهد البترول والذهب فوارق لا تصدق يحكى عنها ما يتداوله المواطنون يوميا المآسي التي يعيشونها وضحاياهم اللذين يشيعونهم بالآلاف أما لعجز عن توفير تكلفة العلاج أو لتدنى مستوى العلاج رغم تكلفته الخيالية بعد أن أصبح كالتعليم استثمارا خاصا أثرى منه أصحاب الحظوة والمال على حساب ضحاياهم لتدنى مستوى العلاج وفساد أدويته التي اعترفت بها وزارة الصحة الاتحادية نفسها. فمن يصدق أن العلاج نوفر في عهد الانجليز بالمجان وان السودان لم يعرف مستشفيات خاصة تجارية مع الحكم الوطني ومن يصدق أن توفير الأدوية هو مسؤولية الدولة في عهد الانجليز وبالمجان ولم يكن سلعة تجارة ومصدر للثراء الحرام على حساب ضحايا المستشفيات التي يهمها أن تحقق اكبر عائد من المريض إلى أن يتسلمه أهله نعشا لدفنه ويا لها من مفارقات فكم من أزمة حدثت في هذه المستشفيات عندما يعجز أهل المتوفى بسبب الإهمال وسوء العلاج من سداد فاتورة نعشه فلا يسمح لهم بحمله ما لم يسددوا ما تبقى من الملايتين المطلوبة منهم والوقاية من المرض أصبحت عدم بل مسبباته هي الأكثر وفرة من فساد المياه والأطعمة الفاسدة التي فتحت لها أبواب الاستيراد بلا ضوايط ودون رقابة ودون عقوبات رادعة لجرائم قتل بالجملة وبدون رحمة من اجل الثراء الحرام. ومن يصدق إن المواطن الذي يبحث يومه عن توفير لقمة عيش مواجه اليوم بان يوفر احتياطي مبلغا تحت حوزته لا يقل عن عشرة ألف جنيه ليضمن قبول المستشفيات لأي من أفراد أسرته تداهمه الأمراض التي أصبحت أكثر انتشارا من البعوض والذباب من الذبحات الصدرية والسرطانات والفشل الكلوى وغيرهم فمن يعجز عن إيداع التامين لا يتوفر له إسعاف مريضه كأن هذا المرض يوجه اتزارا له قبل أشهر حتى يعد نفسه لمواجهته والوقاية مغيبة والأدوية ضاربة والتحاليل والتشخيص غير دقيقة والطبيب اسما وليس علما وليت كل هذا كان مجانا بل يتكلف ملايين فوق طاقة المواطن. الحديث عن مآسي العلاج لا تسعه مجلدات والجامعات الوهمية الخاصة تخرج سنويا آلاف الأطباء بعدان أصبح القبول لكلية الطب ليس لمن هو أكثر تأهيلا أكاديميا وإنما لمن يملك أن يدفع الملايين ويا حليل جامعة الخرطوم عندما كانت جامعة تحكمها الضوابط فمن بين أكثر من ثلاثمائة طالب في كلية العلوم تحتار أميز أربعين طالبا لكلية الطب واليوم اللذين يملكون سداد الملايين هم الذين يخرجوهم أطباء . واشهد الله إنني طوال شهر قضيته في القاهرة قبل شهرين عايشت المئات من طلاب العلاج اللذين دفعوا الملايين لما تسمى بالمستشفيات في السودان ويتكشف أن تشخيصهم وتحاليلهم خاطئة ويا لها من مفارقة أن يكون العلاج بالخارج ارخص منه في مستشفيات السودان وليته كان علاجا ناجعاً, فهل بقى للمواطن غير أن يتحسر على زمن الانجليز وهل للمواطن ما يطالب به من يتحاورون ويتصارعون ويتقاسمون السلطة رغم إدمانهم الفشل منذ رفع السودان راية الاستقلال المزعوم غير أن يتقوا الله في حق المواطن فهو الأولى بعائد البترول الذهب وليس أولى به اقتسام السلطة [email protected]