أستأذن القارئ الكريم في إتكاءة على وسادة الأدب الجميل. كلما حدثت نفسي بالكتابة عن عملاق تقازمتني نفسي فالكلمة ليست بضاعة سوقية بل هي وعاء لفكرة جامحة أو مروَّضة تفرضها ثلاثية الكاتب .. المكتوب عنه و المتلقي فالكاتب يجاهد نفسه ليصنع عند المتلقي نسخة أخرى عن المكتوب عنه بمادة الكلمات و لكنني مهما قلت لا أزيد فوق أن أضع لافتة دالة لمدلول لا تحوجه اللافتات و لا دق الطبول أو تسليط الأضواء عليه فهو في ذاته كل ذلك و يزيد. و لكنا كما قال نزار قباني إذا وقفتُ أمام حسنك صامتا فالصمت في حرم الجمال جمال كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تُقال لا نكاد نرضى بالصمت رغم قدرته المُثلى في التعبير فتجدنا اضطرارا لا اختيارا نقتل الحروف طمعا في وصول نعدم أسبابه و نظل أبدا كحال مقال القائل و النَّجْمُ تستصغرُ الأبصارُ صورتَه و الذَّنْبُ للعينِ لا للنَّجْمِ في الصِّغَرِ و لولا رغبتنا في مشاركتك أيها القارئ الكريم لرضينا بالصمت العميق إيابا. هيهات أن يَلدَ رَحِمُ الفجأةِ مبدعا أوابداعا و لكنها الفطرة الراضعة من ثدي التجربة و الصقل .. يقول إيليا أبو ماضي على لساني المتفائل و المتشائم في رائعته "ابتسم": و عليَّ للأحبابِ فرضً لازمَ لكنَّ كفي ليَسَ تَمْلكُ دَرْهِمَا قلت ابتسم يكفيك أنك لم تزل حيا و لست من الأحبة معدما أتُراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما يا صاح لا خطر على شفتيك أن تتلثما و الوجه أن يتحطما فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجي متلاطم و لذا نحب الأنجما و ها نحن نرى عمالقتنا أنجما تضحك في دجي العهر السياسي. تُرَى كم من "حبوبة" قٌبِرتْ و لمَّا تُتَاحُ لها في حياتها إفراد أجنحة التحليق بإبداع كان سيكون خالدا. و كم من شاعر مكمم كان شعره سيكون حديث الورى و لكن... جَنَّحْتِني كيما أطيرَ فلم أطِرْ هيهات إنك قد طويتَ سمائي إن الخلوَّ السماوي من السحب ليس أمرا سرمدا كما البذرة تأبى إلا أن تشق الصخرة تمردا على سجن الأرض لتمارس إضفاء الجمال إلى الكون و قد كان عمالقتنا في شتى الضروب أطفالا (يَحْبُونَ) .. يتلعثمون و نزجرهم عنا إن هم أقلقوا أمننا و سكون ذواتنا لكننا نُمَنِّي النفس و نجاهدها – و قد نضجت مواهبهم – أن نلتقيهم و حين لا نفعل نرضى بسماع و مشاهدة و أكيد لذة التلقي. على أيام العملاق حمدي بدر الدين و فريقه في برنامجه المتفرد "فرسان في الميدان" و أخص منه المطارحة الشعرية و حديثا برنامج "سباق القوافي" أفرد كلاهما فضاءات لمواهب غضة رغم السوء المفروض علينا والمتمثل في الهرجلة السياسية التي ضيقت واسعا و كممت أفواه الابداع حتى هام الناس لا من حب و لكن ركضا على غير هدى للحاق بأسباب العيش و الحياة. قرأت بالراكوبة "ود المطرة" قصة قصيرة فكانت مُقَبِّلاً و فاتحة شهية ثم تصيدت أخرى فكان مقالا "عبد الكريم الكابلي زخة العطر المهاجرة" ثم قصة قصيرة " مذكرات كلب" ثم مقالا عن العملاق وردي "نقوش على محراب الفرعون محمد وردي" "فالمجنون" قصة قصيرة و كنت كلما قرأت أعيش حالة من الارتقاء و السمو هما خليط من امتاع بدهشة .. الكاتب مغمور لكن أسلوبه متجزر و راسخ يعرف كيف يطوع المفردة البسيطة في عقد من المعاني بانسياب و سبك يرفعان عنك معاناة التلقي .. أيما جملة .. فكرة قائمة .. قضية ماثلة .. نقد نافذ .. رؤية ثاقبة ..بلاغة أخّاذة .. تناول فعّال و شكل جديد. و كما الأغنية الغربية التي حملت عنوان(killing me softly) و تعني يقتلني بنعومة فإن الكاتب وظف عبارات لطيفة لتعمل ما تعجز عنه الأسهم و البنادق في إصابة أهدافها. و كما قال الشاعر عصي الدمع فإني عصية الإرضاء .. أقرأ بانتقائية شديدة و أقول ستشرئب ذاتي لكتابات أخر من الكاتب و السودان موعود بفارس جديد اسمه مهدي يوسف ابراهيم عيسى. [email protected]