حين تكاثر تواجد الأجانب بإحدى المدن السودانية الحدودية حتى طغى أو كاد على نسبة المواطنين، أطلق بعض الساخرين على السودانيين هناك مسمى الجالية السودانية، وهنا في العاصمة الخرطوم بدأت منذ مدة تتعالى الأصوات الناقمة على التواجد اللافت للأجانب بمدنها الثلاث، ويقدر بعض الباحثين نسبتهم ب 40 في المائة من جملة سكان العاصمة، بينما تذهب تقديرات وزارة الداخلية وفقاً لتقرير صادر عنها قبل أكثر من ثلاثة أعوام الى أن عدد الأجانب بكل البلاد تجاوز الأربعة ملايين شخص، ومن المؤكد أن هذا العدد قد ارتفع الآن ولم ينخفض بدلالة التواجد الظاهر لهؤلاء الأجانب في البيوت والشوارع والمصانع والمزارع والكافتيريات... الخ، كما تؤكده الحدود المفتوحة على مصراعيها لكل داخل بطريق غير مشروع دون أن يجد ما يعترضه حتى يبلغ مبتغاه، علاوة على عدم اتخاذ السلطات لأي إجراءات ملحوظة لضبط هذا التواجد الأجنبي غير المشروع، ولا نقصد هنا بالطبع كل الوجود الأجنبي، فهناك وجود لأجانب بشكل شرعي ومقنن، ولهذا يجدر التنبيه لعدم تهييج الرأي العام وتعبئته ضد أي وجود أجنبي، فالوجود الشرعي للأجانب سواء كانوا عرباً أو أفارقة أو آسيويين أو حتى أوربيين هو وجود طبيعي، فكل دول العالم بها أجانب عاملين فيها ومستقرين بها، ونحن جزء من هذا العالم بل أننا لنا وجودنا وانتشارنا في كثير من دول العالم إن لم نقل جميعها، وهذا ما يملي علينا ضرورة تفهم وجود أجانب بين ظهرانينا، فنحن أيضاً وفقاً لمواثيق وقوانين إنسانية دولية لدينا سودانيون أجانب في الدول الأخرى. ليس من الحصافة أن نغلق حدودنا بالضبة والمفتاح و(نقفل بابنا علينا) وننغلق، كما أنه من الغفلة أن ندعها مفتوحة هكذا (قراش) للغاشي والماشي؛ يدخلها من يشاء وقتما يشاء (بلا احم ولا دستور)، المطلوب بين هذا وذاك، أن نتقبل الوجود الأجنبي الشرعي والمقنن والمعروف والمضبوط، ونكافح التسلل خلسة والوجود غير الشرعي، وتلك مهام لن نزاود عليها السلطات المختصة فهي أعرف وأدرى منا بها، مثل تسجيل وحصر الأجانب في البلاد ومعرفة أماكن عملهم وسكنهم بدقة، وعدم السماح لهم بممارسة أي عمل إلا بموجب تصريح، واتخاذ إجراءات مشددة في مواجهة المخالفين، وضبط الحدود والمعابر وعدم التساهل الى آخر هذه الإجراءات، أما عن عاملات المنازل اللائي يشغلن الآن بال وزارة العمل الولائية، فما قلناه عن ضرورة ضبط الوجود غير الشرعي ينطبق عليهن بالضرورة، غير أن المشكلة تكمن لو أنهن دخلن البلاد غير متسللات بل نتيجة سياسة غير معلنة لتعويض فاقد العمالة الجنوبية بعد الانفصال كما يقال. [email protected]