بسم الله الرحمن الرحيم قال لي، وهو يُخرِج قصاصة من جيبه، إنتي الصحفية سهير؟ قلت: نعم، قال لي أنا (محمد صلاح) الذي كتبتِ عنه في مقالك السابق. صافحته بحرارة فأفرد قصاصته أمامي. كانت القصاصة عبارة عن مقالي بالصحيفة وقد قصَّه وحفظه في جيبه، أردف قائلاً: (حا أشيلو معاي لي ناس البيت)، فقلت له المقال: نزل أمبارح أبوك ما اشترى ليكم الجريدة؟، فأجابني: (أبوي مات زمان، استشهد في الطيارة الوقعت)، في تلك اللحظة اغرورقت عيناه بلمحة حزن عميق حاول إخفاءهُ، وهو يعيد تثبيت نظارته الطبية فوق عويناته علها تساعده على تجاوز مضايقة الدموع. غصة عظيمة علقت في حلقي وأفقدتني القدرة على النطق، طفل ذكي ومخترع جبار وموهبة تسير بفطرة ربانية، لم تقهره ظروف اليتم ولم يُثنِه فقدان الأب من أن يقول: ها آنذا. الطفل محمد التقيته مساء أمس في قاعة الصداقة في معرض الأطفال الموهوبين، كم تمنيت لحظتها أن أشاهد حارقي البخور وماسحي الجوخ الذين احتفوا بمخترع الساعة أحمد الصوفي ؛ كم تمنيت أن أراهم يحتفون أيضاً بهذا الطفل اليتيم. على مقربة من اختراع محمد وداخل القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة، كان الدكتور طارق السويدان يلقي محاضرة نوعية عن دور مدارس الموهوبين في خلق جيل متميز وقائد وقادر على العطاء، (السويدان) استصحب تجارب مدارس الموهبين وقال إن الإنفاق عليها يعد من أعمال البر والصدقة، وأن الشعوب تُقاس بالموارد البشرية وليس الصناعية. وكأني بالسويدان قد اطلع على نقاشي مع (محمد ) حين، قال: إنه، ومن خلال أكثر من 70 ألف شخص دَرَّبهم، من ضمنهم رؤساء دول ووزراء وعلماء ؛ فإن فرصة القيادة ترتفع عند الأطفال الأغنياء ، والأطفال الذين يعيشون حالة انفصال بين الوالدين ، واليتامى ؛ وأن البيئة المحفزة للقيادة هي القيم و التبني و الحرية و الفضول. محاضرة قيمة ومثمرة تمنيت أن تنقلها قنوات التلفزة على الهواء ، عوضاً عن (الفارغة والمقدودة)، التي ينقلونها يومياً. موهوبو السودان كانوا حاضرين وبقوة باختراعاتهم واكتشافاتهم التي أثلجت صدور الحضور قبل أن تثلج صدور أولياء أمورهم. قيادات نوعية من المجتمع أمَّت المحاضرة التي لخصت مفهوم تعليم الموهوبين باعتباره استراتيجية لنهضة الأمة. تضمن كتيب اللقاء عبارة للدكتور عبد المحمود النور وزير التربية والتعليم السابق والذي قال: (الموهوبون هم ثروة السودان الحقيقية...). تعجّبت لعبارة الدكتور والذي لم يفتح الله عليه بهذه العبارة طيلة فترة استوزاره.... فهل عَلِم بأنهم ثروة مؤخراً أم اقتنع بموهبتهم عقب مغادرة المنصب والكرسي؟. خارج السور: صغيري محمد صلاح : تحتاج أن تعرض اختراعك في أمريكا فتُتَّهم بأنك إرهابي، ثم يعتقلونك ثم يدعوك أوباما لزيارة البيت الأبيض.. حينها فقط سيظهر لك أكثر من أب ، وسيكتشفون فجأةً أنك عبقري!. *نقلا عن السوداني