كان مشجعو كرة القدم قديماً عندما يستاءون من أداء اللاعبين في المباراة التي تكبدوا من أجل حضورها المشاق و(شقوا الجيوب) ويخذلهم اللاعبون الذين يبدون داخل الملعب أشبه بالأشباح (مثل لعيبة الهلال في لقاء الليبيين)، كانوا يرددون في أسى هتافهم القديم (كورة أوانطة هاتوا فلوسنا)، وهي فلوس عزيزة اقتطعوها من قوت العيال على شحه... يقيني أن لسان حال ومقال غالب سكان العاصمة الذين يعانون مر المعاناة هذه الأيام الصائفة شديدة الحر من شح المياه وندرتها، بل وانقطاعها تماماً، يردد في وجه هيئة المياه هتاف (زيادة أوانطة هاتوا فلوسنا)، إذ لم يعد أي معنى أو مبرر لتلك الزيادات المضاعفة التي حصلت عليها الهيئة وتكبدها المواطن ودفعها عن يد وهو صاغر ومضطر مقابل لا شيء سوى شخير المواسير، وهذه والله فهلوة لا تجوز، فالمواطن المغلوب على أمره يدفع سعر المياه المضاعف مقدماً، ولكن عندما يعود إلى منزله لا يجد السلعة التي اشتراها فيسب ويسخط ويدعو على الهيئة (بالساحق والماحق والبلاء المتلاحق) أو (يحتسب) ويصمت ويفوض أمره لله، والهيئة بممارستها الضيزى هذه تبدو مثل التاجر المرابي المخادع الذي يبيع الناس السمك في الموية والطير في الهواء، ومشكلة الهيئة مع المياه تجسد لي فعلياً النكتة التي تروى عن أحد إخواننا الجنوبيين (الله يطراهم بالخير) حين حاول أن يقرض شعراً بالعامية السودانية، فذهب ليلاً إلى شاطئ النيل ليستلهم منه ما يعينه على إنتاج القريض، وبعد تأمل وتدبر واستغراق في التفكير، لم يجد ما يقرضه سوى أن يقول متحيراً (يا نيل يا طويل يا ملولو.. بالليل دا ماشي وين)، والهيئة أيضاً لا تجد ما تقوله رغم الوفرة المائية في عاصمة يشقها نهران ونيل غير ما تستبطنه من مياه جوفية، غير أن تقف عاجزة وحائرة (زي إبل الرحيل شايلة السُقا وعطشانة)، وما يكشف عجز هذه الهيئة وحيرتها أمام مشكلة المياه، أنها مع كل أزمة جديدة لها سبب ومبرر جديد، مرة بسبب الطمي في مواسم فيضان النيل، تردد كل سنة مع الراحل مصطفى سيد أحمد (يفيض النيل نحيض نحنا، يظل حال البلد واقف تقع محنة)، ومرة بسبب الشبكة المهترئة، ولم تستطع على مرّ السنوات أن تتخلص من هذه المشكلة، ومرة تعزو الشح إلى زيادة الطلب على الماء نتيجة التوسع الأفقي جراء اطّراد موجات الهجرة من الريف إلى العاصمة، غير أن أغرب وأعجب سبب كان قولها أن مخربين ومتآمرين قد تسللوا خلسةً وأغلقوا البلوفة بغرض إحداث أزمة في الماء لإثارة الناس ودفعهم للتظاهر، وحال الهيئة هذا فلا يستبعد منها أن تقلل من جدوى زيادة المائة بالمائة وتطالب برفعها إلى ألف في المائة. [email protected]