يبدو أننا في السودان أو فلنقل بالأحرى اصبحنا ننحدر إلى هاوية لا قرار لها و نحن نسمع ونشهد كل يوم أشياء غريبة لا تشبهنا و لا تشبه ما جُبلنا عليه من أخلاق و قيم و عادات وتقاليد ظلت مرعية لسنوات و سنوات ، و ما أشير اليه هنا لا علاقة له بأطفال المايقوما و لا باغتصاب الأطفال ولا بجرائم القتل المرعبة التي اصبحنا نسمع عنها بين الفينة و الأخرى كأن يقتل احدهم والدته أو والده أو صديقه الحميم أو أن يمارس احد الأطباء عمليات إجهاض لعشرات الفتيات غير المتزوجات ثم يجد لذلك مبررا اقنع به نفسه و يحاول أن يقنع به الآخرين أو أن تصبح عندنا ظاهرة كظاهرة "الجنبيات" التي أصبحت أمكنة لممارسة الرذيلة و لا يرتادها إلا من أوتي سعة من المال و بسطة في الرزق حلالا كان أم حراما و غير ذلك من أمثلة لا تعد ولا تحصى ، فتلك للأسف الشديد جدا ظواهر اعتاد الناس عليها ولم تعد من الأمور المستغربة ولا تثير اهتمام الكثيرين داخل السودان وهذا ما لاحظته في معظم إجازاتي حينما اُبدي تعليقا على أشياء لم تكن تمر مرور الكرام على أيام صبانا. توجد بثقافات جميع الشعوب خطوط حمراء يلزم عدم تجاوزها مهما تكن المبررات ففي الغرب الذي نراه متفسخا و لا أخلاق لأهله كما نعتقد يعد الكذب جريمة لا تغتفر لشاغلي المناصب العامة على وجه الخصوص و مجرد التأكد بأنك تكذب فإن المآل الحتمي هو الاستقالة أو الإقالة ويعتبر الزنا عند قبيلة الدينكا جريمة شنيعة يصبح لا مكان لمرتكبها في كنف القبيلة وكذا الحال عند قبائل النوير الذين يدل واحد من الخطوط الأربعة المنحوتة على جباههم نحتا لا يقبل الإزالة أن "لا تكذب" فأنت قد بلغت سن الرجولة و لا رجولة لمن يكذب ، والأمثلة كثيرة من مختلف أنحاء العالم على مدى احترام الناس لعاداتهم وتقاليدهم و مراعاتهم لها. و للزواج في السودان أعراف و تقاليد و مراسم ظلت معروفة في أنحائه حتى عندما كان الجنوب جزءا منه وقد شاهدت فيه أعراسا يمارس فيها تقليد( بخ اللبن) خاصة عند مسلمي بحر الغزال ولكن بخ اللبن الذي شاهدته في مقطع فيديو يوم امس الأول تضمن بدعة و خروجا مقيتا عن كل ما تعارف عليه أهل السودان في مثل هذه المناسبات التي تستلزم قدرا كبيرا من التأدب أمام الأهل والضيوف و الغرباء على حد سواء ، فقد عمد العريس و العروس على ممارسة هذا التقليد بطريقة فيها خروج واضح عن المألوف حتى بدا الأمر و كأنهما يتبادلان قبلات حرى حيث قام كل منهما بسقي اللبن للآخر من الفم للفم مباشرة بطريقة ملفتة وصادمة و خادشة للحياء دون مراعاة لمشاعر من يشهدون هذا المنظر المدهش و لا ادري كيف تكون مشاعر أسرتي العروسين حينما يعلمون أن هذا المشهد اصبح متداولا بجوالات الناس فجلب عليهم من السباب واللعنات و السخرية ما لم يكن في حسبانهم و ربما حاول العروسان تقليد ما اعتادت عليه شعوب أخرى و هو تقليد اعمى يخرج بصاحبه عن آداب الدين و المجتمع و لعل ما قرأته من تقريع للعريس المعني بهذا المشهد في احد المواقع الإلكترونية يكفي لكل من يحاول السير في هذا الدرب الأعوج. الخروج عن المألوف لم يبدأ بهذا العريس المنكوب بل كانت شرارته تلك الفتاة التي صعدت إلى خشبة المسرح في حفل عام لتقبل مغنيا شابا معروفا ثم بتلك العروس التي اعتلت منصة الفرقة الموسيقية في يوم زفافها لترقص مع المغني بطريقة هيستيرية و زوجها يتابعها بنظرات بلهاء وكأن الأمر لا يعنيه وكان واحدا من نماذج حيدتنا عن تقاليدنا أيضا تركنا لزفة العديل و الزين جانبنا ولجؤنا إلى الزفات المصرية و اللبنانية و الرقص البطيء ( slow dance)و هلم جرا من بدع الزواج الأخرى التي لم تجر علينا إلا كثيرا من المصائب و أثقلت كاهل الأسر بالكثير من الديون كفطور العريس وشاي العريس و غيرها. ندرك أن كل المقبلين على الزواج يرغبون أن يكون زواجهم في ابهى حلة و اجمل مظهر و يبذلون ما يستطيعون في سبيل تحقيق ذلك الحلم الجميل تسندهم جهود أهلهم و أصدقائهم وجيرانهم مسبوقة بدعواتهم و تمنياتهم الطيبة لكن تبقى مراعاة أصول ديننا و تقاليدنا الزم من أي فرح مهما تكن الذرائع ومن لم يستح فليفعل ما يشاء. لن اطلب تدخل أي جهة رسمية في ما حدث ويحدث لأن كل ذلك على مرأى ومسمع منهم ولكني استثير حمية كل سوداني غيور إضافة إلى منظمات المجتمع المدني المعنية لإيقاف هذا العبث الصبياني. يحيى حسين قدال [email protected]