عندما يصبح الناس مثل (الضببة - جمع ضب) من أطرف وأذكى التعليقات التي سمعتها بعد أن امتلأت الطرقات بالمياه والطين والوحل وانتشرت بين الأحياء البرك بسبب مطرتي اليومين الماضيين، أن الناس صاروا مثل (الضببة) يسيرون بمحاذاة الحوائط ويتعلقون بها تلافياً للطين والعطن، هذا المنظر الدراماتيكي ليس وقفاً على خريف هذا العام، بل ظل يتكرر مع كل خريف حتى في مركز العاصمة (الحضارية) وقلبها، دعك من مناطق الدرجة الثانية والثالثة، أما عن العشوائيات من مدن الصفيح والكرتون فحدث ولا حرج، يحدث هذا وما زال الخريف في بدايته والله أعلم بالحال في مقبل الأيام، خاصة وأن الخريف هذه المرة يبشر بمعدلات هطول كبيرة وأهلنا يقولون (الخريف اللين من بشايرو بين)، ومن خبرات الناس المؤلمة مع فصول الخريف يتوقع أن تقع بسببه كارثة هذا العام، طالما أن الولاية ظلت محلك سر كما كل عام ولم تتقدم خطوة في استعداداتها لاستقبال الخريف، وما يدعو أكثر للحيطة والحذر أن خريف العام ربما شهد غزارة في الأمطار المصحوبة بسيول وفيضانات قد تضرب أجزاء من العاصمة الخرطوم ونواحي أخرى متفرقة من البلاد، يخشى معها أن تروح بسببها أنفس عزيزة وفقد آلاف المآوي والممتلكات، مما قد يجعل المنكوبين في حاجة ماسة وعاجلة للغوث والمساعدة بتوفير الحماية والملاجئ الآمنة والعناية الطبية والاجتماعية واحتياجات الحياة الضرورية الأخرى من مأكل وملبس ومشرب، هذا الحال المائل يعيدنا للحديث عن مرحلة ما قبل وقوع الكارثة، وما تتطلبه هذه المرحلة المهمة جداً من احترازات وتدابير يستلزم القيام بها تحسباً لأية كارثة أو خطر محتمل، ومن البداهة هنا التنبيه لضرورة توقع أسوأ الفروض والاحتمالات وبناء خطة المجابهة عليها، لتأتي المعالجة كلية وشاملة لكل مظان الخطر ومكامنه حتى لو لم تشكل خطراً من قبل، ولكنها تظل مثل القنابل الموقوتة أو(الخلايا النائمة) يمكن أن تنفجر أو تصحو يوماً ما، لسبب ما، وتفعل فعلتها، كما حدث في كوارث سابقة، حيث لم يتعظ القائمون على الأمر بما سبقها من كوارث، حين اهتموا فقط بالمناطق التي تأثرت تأثيراً مباشراً واجتهدوا في إجراء معالجات جزئية افتقدت النظرة الكلية، فالمطلوب النظر إلى ما أبعد من تحت القدمين ليشمل كامل الخريطة الطبوغرافية والكنتورية لكل الولاية وما جاورها، وعلى ضوئها تحدد بدقة مسارات السيول حتى لو كانت خاملة لعشرات السنين، فتنشئ عليها ما يحميها مستقبلاً، خاصة وأن التغيّر في المناخ صار معلومة يعرفها حتى شُفّع الروضة، ونفس الشيء ينطبق على غلوتية المصارف والمجاري التي لم تفعل الولاية إزاءها شيئاً يذكر، غير أنها ظلت تذكرنا لسنين متطاولة بتكلفتها العالية ثم تطبق يديها وتصمت، في حين أنها في كل عام لو أنجزت شبراً لكانت الآن قد قطعت شوطاً مقدراً فيها. [email protected]