مرت علينا بالأمس التاسع عشر من يوليو الذكرى الخامسة والأربعين لانقلاب (19 يوليو 1971)، الذي قاده الرائد هاشم العطا، وقد عنّت لي بهذه المناسبة حكايتان، الأولى تختص بانقلاب يوليو والأخرى بانقلاب يونيو 1989 بقيادة العميد عمر البشير، والجامع بين الحكايتين حول الانقلابين هو عبارة (اللخبطة والجوطة).. في حكاية يوليو قيل أن المطربين الكبيرين، الثنائي ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة -رحمهما الله- عند نجاح انقلاب هاشم العطا الذي لم يدم سوى ثلاثة أيام، سارعا لإجراء بروفة عاجلة لأنشودة تمجد الانقلاب وقائده، يقول مطلعها (هاشم العطا صلّح الخطأ)، كناية عن أن انقلاب (19 يوليو) كان (ثورة) تصحيحية على انحرافات مايو التي بدأت شيوعية، يقول الراوي وبينما هما منهمكان في أداء البروفة، إذا بمن يقتحم عليهما الاستديو ويصيح فيهما بلهجة منذرة، أنْ أوقفا البروفة فقد فشل الانقلاب وعاد نميري، فما كان من المطربين الكبيرين وهما يتلقيان هذا الوعيد إلا أن يتصرفا بسرعة وقد أسعفتهما قريحتهما على إجراء تعديل فوري وناجز على النشيد الذي كان (هاشم العطا صلّح الخطأ)، فصار بعد الزنقة (هاشم العطا لخبط الوطا)، ومعلوم عن المطربين الكبيرين أنهما كانا قد مجدا النميري بنشيد يقول أحد مقاطعه (خليك حريص إنت القائد وإنت الرئيس واصل كفاحك). أما حكاية يونيو فهي للبروف إبراهيم أحمد عمر حين كان يشغل منصب رئيس قطاع الفكر والثقافة بالحزب الحاكم، كانت الصحف قد نقلت عن البروف وقتها أنه طالب بالمحاسبة والمساءلة لنفسه وقطاعه أولاً، ثم لكل المنظومة الحاكمة على ضآلة المردود في كل المناحي بعد كل السنوات الطوال في الحكم، ليس ذلك فحسب بل مضى البروف أكثر ليطرح بصيغة استنكارية بعض الأسئلة، منها تساؤله الاستنكاري ماذا فعل المؤتمر الوطني تجاه التحديات التي واجهت البلاد طيلة هذه السنوات الطوال، وسؤاله الآخر قدناها أم جطناها؟، ولكن رغم مقولة البروف هذه التي مرت عليها نحو أربع سنوات، إلا أنه لا يزال يعمل في قلب هذه الجوطة ولم يخرج منها على طريقة المرحوم محمد توفيق الوزير والصحافي المشهور، الذي استقال من الوزارة وعندما سُئل عن السبب، قال (لقد خرجت من الجوطة)، ومعلوم أن من يعك مع العاكين داخل معمعة الجوطة قد يعشى بصره وتتقاصر بصيرته عن إدراك الحقيقة ناصعة بلا رتوش، فهو ليس مثل من هو خارجها ليرى المشهد بوضوح... [email protected]