في البيت أزاح الطفل بصره عن التلفاز، أرهقته مشاهدة متواصلة في قناة مخصصة للأطفال، إلتفت نحو أبيه صائحا: أبي هل نحن خيال أم حقيقة؟، مسلسلات الديقتال أرهقت عقول الأطفال وحاصرتهم بأسئلة الوجود في وقت باكر، الخيال الخصب لدى الأطفال يذيب الحواجز بين العوالم الحقيقية والإفتراضية، ويجعلها في إشتباكها حاضرة عندهم. وهذه الألعاب تساعد الطفل في فرض بداياته الأولى، كلمته، تفوقه وإثبات ذاته وقدراته، وكذلك لإشباع رغبته في معرفة العالم من حوله. "البوكيمون" هو أحد العوالم التي جذبت الأطفال إذ تدور في عوالم الخيال والواقع، وهي لعبة شغف بها الكبار بقوة، ولعبة "البحث عن البوكيمون" تحاول أن تخلط بين العالم الإفتراضي والواقعي، فاللاعب في هذه اللعبة، لا يبقى متسمرا أمام الشاشة، بل تتطلب أن يتحرك للبحث عن أماكن تواجد البوكيمونات. ويبدو أن محاولة تجاوز الخط الفاصل بين العالم الحقيقي والعالم المتخيّل، هو واحد من الأسباب القوية في ممارسة الكثيرون لهذه اللعبة، التي تجمع بين الواقع والخيال. وهذه حالة تعبر عن نزوع الإنسان لمعرفة الأشياء من حوله، وهذه اللعبة الغريبة تلبي بعض من هذ الرغبة الملحة، كونها تدخل "المتخيل" أو "الافتراضي" إلى واقعهم ، جدل هذه العلاقة بين الواقع والخيال عملية موجودة بشكل يومي في ذهن الكائن، تعكس موقفه من الوجود والحياة، وظلت العوالم التي تحاول أن تخترق حواجز العلاقة بين الخيال والواقع جاذبة للإنسان، ونجد ذلك بقوة في الأدب، فأعمال شكسبير الخالدة مثلا، وجدت كل هذا الحضور لطرقها لهذه العلاقة، وكذلك أعمال كثير من الروائيين، خاصة في أعمال أصحاب مدرسة الواقعية السحرية، فكل ما نجح النص الروائي اذابة الحد الفاصل بين الخيال والواقع، تجد القبول لدى المتلقى، وكذلك في الأعمال الابداعية الأخرى. لذلك فإن الانجذاب للعبة البوكيمون، وربما ألعاب أخرى بذات الخصائص، لا يفسر فقط بعدم رضاء الإنسان عن ذاته، أو بكونه نوع من الهروب إلى العالم الافتراضي الذي يشكله الفرد بنفسه دون قيد أو فرض كما تشير أحدى الدراسات، صحيح أن هذه التفسيرات مهمة فالواقع المرير يدفع الإنسان إلى البحث عن عالم افتراضي يحشد فيه الإنسان كل الجمال الذي يفتقده في العالم الواقعي، عالم يشكله كما يشاء، مثل هذه التفسيرات صحيحة جدا، لكن أيضا هنالك شغف الإنسان الشديد باكتشاف المجهول وخرق الواقع، والبحث عن ما وراء هذا الواقع، بل أن العالم الذي نعيش فيه الأن بكل اكتشافاته البشرية التي شكلت حضارات وتطور إنساني، كانت نتاج لتلك الرغبة في الاكتشاف، فالإنسان يلج العوالم الغريبة بالرغبة في الإكتشاف، وبالخوف من المجهول، ويخوض صراعا مع الأشياء من حوله، بالتالي يسعى لهزيمة هذا الخوف عبر إكتشاف المجهول. علاء الدين محمود جريدة الخليج الاماراتية [email protected]