استثمرت المعارضة السودانية جهدها التاريخي في موارد القوة الصلبة لأنها الاسهل والأرخص ، وهي تقوم علي امتلاك السلاح وبناء المليشيات وخوض المعارك، لكنها اهملت بناء القوة الناعمة بما يعني البناء المتماسك للقضية الوطنية و توليد الأفكار والخطاب السياسي وجملة البرامج والاهداف الصانعة والمحرضة للتغيير ، والقدرة علي التحشيد والتنظيم السياسي وجذب قوي اجتماعية جديدة لمشروعها الوطني. و لا بد ان أنوّه انني استخدم لفظ (المعارضة) في هذا المقال للإشارة لظاهرة التحشيد السياسي المعارض السلمي والمسلح في سياقه التاريخي. وساعد في ترجيحات بناء القوة الصلبة اكثر من الناعمة غلبة النشاط التكتيكي علي البناء الاستراتيجي، وكذلك الطرح الجهوي المرتكز علي قضايا الهامش. وقد وقفت مؤخراً علي إفادات جريئة للمفكر الراحل محمد ابوالقاسم حاج حمد حذّر فيها مبكرا من اطروحات التهميش مؤكدا ان التهميش لم يكن حقيقة واقعة رغم وجود اختلالات وظلامات تاريخية لأن الاقتصاد كان جزءً من ريع الاستثمار الاستعماري، وليس إرثا لنخب الوسط النيلي. وذكر ان تكثيف الطرق السياسي علي هذا الموضوع سيحقق التهميش واقعا لا مجازا، لأن الوسط النيلي سيدفع عن نفسه هذه الاتهامات بتشجيع انفصال الجهات التي توالي مزاعم التهميش. ورغم ذكاء الطرح والتحليل الذي قدمه حاج حمد الا ان الحقائق المريرة التي كرسها فصل جنوب السودان سحبت ميراث التسامح السياسي لأي دعوة تنادي بالتمييز او تشجيع ترتيبات واتفاقيات تتضمن خيارات للانفصال او الحكم الذاتي. و تفتح هذه الفرضية فتوق وجراحات الخطاب السياسي التاريخي لقضية الوحدة الوطنية. ولعل أذكي الاطروحات التي قدمتها النخبة السياسية في هذا الصدد هو ما قدمه الدكتور جعفر محمد علي بخيت في ورقته ذائعة الصيت عن تنازع الولاءات المتناقضة وهو ينادي بسلطة مركزية لتنسيق هذه الولاءات. وقد قدم الدكتور احمد ابوشوك تأطيرا نظريا رائعا لهذه الاطروحة في سلسلة كتابه عن السلطة والتراث. محور النقاش في هذا المقال هو لماذا عجزت المعارضة عن تأسيس وبناء قوة ناعمة بعد ان نجحت في بناء القوة الصلبة حتي تستطيع ان تقدم طرحا سياسيا ناضجا لقضيتها و كسب عقول وقلوب الشباب والقوي الاجتماعية الحية، و كذلك تقديم خطاب سياسي وفكري مقنع؟ تقوم وجهة نظري المتواضعة في الاجابة علي هذا السؤال علي الاستفهامات البنيوية في تركيبة المعارضة. لأن قوي المعارضة الماثلة في المشهد السياسي الآن هي جماع لغبائن سياسية واجتماعية متراكمة وليست تعبيرا عن قضية مركزية في التطور السياسي والاجتماعي للدولة السودانية. فهي مجموعة من القوي السياسية متناقضة الأيدلوجيات والتطلعات مختلفة المشارب والأهواء لا يجمع بينها جامع ولا يربطها رابط سوي كراهية حكم الإنقاذ ومناهضة مشروع الإسلاميين في السياسة والحكم. مما يعني فقدان هذه المجموعة للحد الأدني من التوافق والبناء الوطني . وتقوم استراتيجيتها علي هدم النظام القائم لكن لا تملك خارطة طريق لبناء دولة وطنية. وما اختلاف المعارضة علي اعادة هيكلة الجسم السياسي و تنصيب رئيس جديد الا مؤشرا واحدة لطبيعة هذا التناقض البنيوي. ويصبح ابسط توصيف لهذه المجموعة هو انه يجمعها تحالف براغماتي مرحلي استثمر في الغبن السياسي والاجتماعي وهو أرخص انواع الطاقات البشرية السالبة اي الاستثمار في الغضب الجماعي . وهذا التحالف الذي يحمل في أحشائه كل تناقضات الساحة السياسية لا يستطيع ان ينتج خطابا متسقا او مقنعا دع عنك ان يسهم في بناء قوة ناعمة لمشروع المعارضة. وهذا ما يجعل فرضية وصول المعارضة للسلطة محفوفا بالمخاطر لانها ستكرس طاقتها للانتقام والتشفي والاختلاف في ما بينها، وليس بناء مشروع وطني جامع. اضعف من قدرة المعارضة علي بناء القوة الناعمة الفصل التام بين الفكري والسياسي فلا تجد في صفوفها مثقفين أصيلين او مفكرين مشتغلين لذا يكثر في صفوفها النشطاء والعسكريين. وغادر كثير من المثقفين صفوفها بعد ان ضاقت بهم مواعين الديمقراطية و سبل العطاء. و تستعيض المعارضة لملء هذا الفراغ بوجوه من المثقفين والمبدعين لتزيين وجهها في المناسبات الموسمية العابرة والمفاوضات والمؤتمرات ، و لا توجد بصمات واضحة او آثار ظاهرة لهذه النخب في خطاب المعارضة او طرحها الفكري و خياراتها السياسية فصارت صورهم اقرب الي زينة المجالس وتمومة الجرتق. لأنهم ليسو جزءً أصيلا من ترسانة و بنية عملها السياسي والفكري والثقافي. تفتقر المعارضة ايضا لوحدة القيادة السياسية والفكرية. اذ لم يعد ممكنا استنساخ جون قرنق جديد رغم محاولات ياسر عرمان المتكررة لانه يفتقد الكارزما السياسية الطاغية و الشرعية التاريخية لتمثيل القضية. لكنه يتميز بتكتيكات سياسية بارعة تمثل جزء من إرثه السياسي في حركة اليسار السوداني لأنه منهج يقوم علي فلسفة الصراع لا البناء. الهزيمة الفكرية البيّنة لمشروع المعارضة الفكري هو اعتمادها علي النموذج القديم لأطروحة السودان الجديد، مع هوامش غامضة علي المتن لتكريس ادبيات الهامش. اما أزمة المعارضة الكبري فهي دعوتها ومناداتها بالديمقراطية في اطروحات مشروعها السياسي للتغيير وهي في الأصل تنظيمات تفتقد للديمقراطية في نفسها لانها ارتكزت علي شرعية القوة والبندقية او الارث الاسري التاريخي. عند توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 خرج جون قرنق في ندوة شهيرة بواشنطن قائلا ان شعب جنوب السودان لا يحتاج الي ديمقراطية، وقال ساخرا اذا ذكرت اسم الديمقراطية سيقول لك المواطن الجنوبي عن اي حيوان تتحدث؟ هذا رغم ان كل اطروحات السودان الجديد كان ترتكز علي التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة. لكن سرعان ما انقلب جون قرنق علي أطروحته النظرية بمجرد توقيعه علي الاتفاقية و وصوله للسلطة. و هذا ما يشكك في صدقية خطاب المعارضة في التحول الديمقراطي. لأن الديمقراطية لن تمكن مني مناوي او جِبْرِيل او عبدالواحد او مالك عقار من الفوز بمقعد برلماني دع عنك الوصول للسلطة. يسندهم في ذلك انهم اكتسبوا شرعيتهم السياسية الراهنة علي البندقية لا الانتخاب والتنافس الحر.. مما يجعل الطرح الديمقراطي في خطاب المعارضة محض تكتيكات مرحلية لإزالة النظام وليست طرحا فكريا صميما متماسكا. و لعل قاصمة الظهر في بناء القوة الناعمة للمعارضة يعود الي افتقارها للقدرة علي ابتدار المشروعات واستيلاد الأفكار مما جعلها تعتمد علي شبكة من الخبراء الغربيين لدعم مشروعها. ولولا بعض اجتهادات الصادق المهدي الذي لا أعده عضوا أصيلا في هذا النادي السياسي الذي يميل لليسار الليبرالي ولا تربطه اي صلة فكرية بمشروع اليمين الاسلامي الذي يمثله الصادق المهدي سوي تحالف الغبن للتخلص من الإنقاذ . لولا تلك الاجتهادات والمقاربات السياسية من الصادق المهدي لأفتقد مشروع المعارضة للصدقية الوطنية المطلوبة. لقد فشل مشروع بناء القوة الناعمة للمعارضة لاعتمادها علي شبكة من التحالفات الغربية المشبوهة. ابرز هذه المؤسسات التي تقدم الخبرات والأفكار للمعارضة هي مؤسسة pilpg هي مؤسسة قانونية بحثية طوعية مدنية أسسها البروفيسور بول وليامز استاذ القانون في الجامعات الامريكية في المملكة المتحدة عام 1985 وتتخذ من واشنطون مقرا لها. وتقدم هذه المؤسسة مساعدات فنية وخبرات للدول والمجموعات في قضايا النزاعات وبناء السلام والمفاوضات. تعاقدت وزارة الخارجية الامريكية مع هذه المؤسسة لتقديم العون الفني والخبرات والمساعدات للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وأشرفت هذه المؤسسة علي وضع خطط وبرامج التفاوض للحركة وتبنت بشكل أساسي قضية ابيي لصالح جنوب السودان. و بعد انفصال جنوب السودان واصلت وزارة الخارجية الامريكية تمويل برنامجها لتقديم الدعم للحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور الاخري. و تقدم هذه المؤسسة وخبراؤها الخطط والبرامج والأفكار لكل مشروعات التفاوض الخاصة بالحركة الشعبية. في الضفة الاخري من الاطلنطي تنهض مؤسسة اخري مقرها جنيف وهي مركز الحوار الانساني لتقديم الخدمات اللوجستية والدعم الفني للمعارضة. وهي التي تشرف علي مشروع الغوث الانساني علي غرار شريان الحياة الذي قال عنه قرنق انه لولا هذا المشروع لماتت الحركة الشعبية في مهدها. ولمركز الحوار الانساني عدة برامج لدعم المعارضة. البرنامج السياسي الرئيس تشرف عليه روزالندا مارسلند سفيرة بريطانيا الأسبق بالسودان، يعاونها فرع المركز في نيروبي الذي يعمل علي استقطاب الدعم وتنسيق المواقف الإقليمية. وخطورة هذا المشروع ليس حشد الدعم الإقليمي والسياسي للحركة لكن محاولة استقطاب القبائل العربية في دارفور للانضمام الي مشروع التسوية باعتبارهم خارج منظومة التحالف السياسي مع قيادات القبائل التي تساند التمرد في دارفور. يتكفل مركز الحوار الانساني بكل نفقات الترحيل والتذاكر والإقامة والخدمات اللوجستية لاجتماعات المعارضة في كل القارات خاصة نداء السودان في باريس. كما تمول مشاركات ما يسمي بالشخصيات القومية وهي تلك التي يقوم بدعوتها ياسر عرمان لحضور جلسات التفاوض من المثقفين والحقوقيين والكتاب والناشطين ليضفي علي حركته ومشروعه السياسي بعدا قوميا وتمثيلا نوعيا. البعد الدولي الثالث في صناعة القوي الناعمة للمعارضة يرتكز علي مشروع حركة (كفاية ) الذي يقوم عليه الناشط جون بريندرقاست والناشط السوداني عمر اسماعيل. ومشروع كفاية هو آخر مراحل التخلق السياسي لصناعة العداء المدني في امريكا ضد السودان. اذ بدأ قاست بعد تخرجه من الجامعة الامريكية ناشطا في القضايا الحقوقية وصنع شهرته ومركزه المرموق في قلب النشاط المدني في امريكا علي قضية السودان. اذ استوظفته سوزان رايس في ادارة كلنتون وعمل بعدها في مجموعة الأزمات الدولية ومن ثم أسس (تحالف إنقاذ دارفور) بالتعاون مع اللوبي اليهودي و متحف المحرقة اليهودية في نيويورك. وأسس مع مجموعة مطعم عطيل بواشنطن برئاسة روجر وينتر برنامجا سياسيا طموحا لفصل جنوب السودان. واستخدمت هذه المجموعة بذكاء بالتحالف مع جون قرنق قضية دارفور لإنهاك الحكومة سياسيا وعسكريا تمهيدا لفصل جنوب السودان. ولما استوفي بريندرقاست اغراضه من المؤسسات التي اصطنعها انتهي تحالف إنقاذ دارفور بعد النقد العنيف الذي صوبه له البروفيسور محمود ممداني في كتابه الشهير ( ناجون ومنقذون) الي تأسيس كيان جديد حمل اسم مؤسسة ( متحدون لإنهاء الإبادة) . افترع بعدها جون بريندرقاست مؤسسته الخاصة (كفاية) و جعل محور تركيزها دارفور بعد فصل الجنوبوالكونغو. و اشترك مع الممثل الشهير جورج كلوني في تاسيس مشروع (سنتول) لمراقبة دارفور بالاقمار الصناعية. وناب عن المعارضة السودانية في إطار بناء قوتها الناعمة في تقديم مقترحات وبرامج وافكار لصانع القرار الامريكي والكونغرس تهدف الي تشديد الحصار والعقوبات الاقتصادية علي السودان. ولعل اخر تقرير اصدرته (كفاية ) في هذا الصدد الاسبوع الماضي طالب الادارة الامريكية بإستخدام نفوذها الذي بنته بتراكم الاثار السالبة للعقوبات علي الحكومة السودانية وإجبارها علي التنازلات في قضايا التفاوض في دارفور والمنطقتين. كما ركز مشروع (كفاية) علي محاربة تصدير الذهب السوداني باعتباره ثروة خارجة من مناطق النزاع ، وهو اعادة لسيناريو محاربة تصدير الماس من مناجم الكونغو. ولكن الهدف الأساسي هو مواصلة أضعاف الحكومة ومحاصرة الاقتصاد الوطني بتجفيف مصادر العملة الحرة و موارد النقد الأجنبي . يغذي هذا المشروع لدعم المعارضة آلة الدعاية الإعلامية التي يقف علي رأسها الناشط والأكاديمي اريك ريفز الذي آثر التفرغ من كليته (اسميث كوليدج) لتصدير الدعاية السوداء لصالح الحركة الشعبية. و اصبح عضوا ناشطا ومشاركا في ترجمة الوثائق المزورة التي تصدر كل حين تحمل حيثيات زائفة لاجتماعات افتراضية لتغذية العداء الإقليمي والتشكيك الدولي. لكن توقف اريك ريفز مؤخراً من اعادة انتاج تلك الوثائق المزورة لأنها قضت علي البقية الباقية من مصداقيته. يحاول هذا الاستعراض ان يوضح أسباب فشل المعارضة في بناء قوة ناعمة وموثرة في خطابها السياسي وتكتيكاتها المرحلية واستراتيجيتها الكلية لأنها ارتكزت في ذلك فضلا عن هشاشة تكوينها السياسي وتناقض تحالفاتها التاريخية علي مؤسسات دولية مشبوهة تتلقي منها الخبرات والمساعدات الفنية والأفكار.اذ يجمع قواها المكونة لها فقط غلبة الغبن السياسي والاجتماعي مما يجعلها في الغالب الاعم حسب هذه المعطيات مطية لأهداف خارجية اكثر منها تعبيرا صادقا لتطلعات القضية الوطنية. يرتبط بمشروع المعارضة لبناء قوتها الناعمة شبكة من المنظمات الحقوقية والمدنية التي يسيطر عليها اليسار الليبرالي. وهي ايضا تبدو ضعيفة المردود رغم فعاليتها الإعلامية وعلو صوتها ووفرة الدعم الخارجي لانها قامت علي دفوعات الاجندة السياسية اكثر من دفاعها عن القضايا الحقوقية المرتبطة بمزاعم انتهاكات حقوق الانسان. ويحفظ التاريخ السياسي ان الحزب الشيوعي يعتبر اكثر الاحزاب الوطنية نجاعة في بناء القوة الناعمة في تاريخ السودان الحديث لتوظيفه الثقافة والفنون والنقابات والتحالفات. اذ ان نفوذه التاريخي وتأثيره السياسي أقوي من طبيعة وجوده المادي او عدد عضويته الفعلية. وهذا ما فشلت فيه المعارضة الراهنة. فما تقدمه مؤسسة PIPLG للخدمات القانونية و مركز الحوار الانساني ومشروع كفاية وتحالفات الكنائس العالمية ومنظومات المجتمع المدني الغربية وآلة الدعاية السوداء بقيادة اريك ريفز وغيرها هو ما اضعف قدرة المعارضة علي انتاج خطاب سياسي مقنع مرتبط بالقضية الوطنية وبناء قوة ناعمة تستطيع ان تحرك بها الشارع السياسي وتصطنع بها تحالفات سياسية داخلية. هذا فضلا عن الأسباب الداخلية المرتبطة بالخطاب الجهوي وأدبيات الهامش وتناقضات البنية السياسية للمعارضة وغلبة التكتيكي علي الاستراتيجي والاستثمار في الغبن السياسي والاجتماعي والفصل بين السياسي والفكري. استثنيت واعيا منظومة الشبكات الإعلامية الداعمة والمساندة لمشروع المعارضة مثل مواقع حريات و الراكوبة وغيرها لانها تبقي رغم اختلافنا معها حول اسلوبها او مضمون خطابها مشروعات وطنية. لكن ما يخصم من صدقية المعارضة هو اعتمادها في بناء قوتها الناعمة علي منظومة تحالفات خارجية تجعل من كل أطروحاتها وبرامجها مجرد مخلب قط لأجندة إقليمية ودولية اخري. ودون ان تلتفت المعارضة الي ازالة تناقضاتها الداخلية و اعادة بناء تحالفاتها علي القضايا المركزية اكثر من الاستثمار في الغبن السياسي والاجتماعي وبناء قوتها الفعلية علي تاريخ وتراث الشعب السوداني لن تفلح المعارضة في بناء اي نفوذ او تأثير علي قوي التغيير الحية في المجتمع. وكما سبق وان طرحت في هذه الصحيفة من قبل في مقالي الموسوم ( مقايضات الطبقة الوسطي في السودان) فإن مشروع المعارضة القائم علي التهييج الثوري علي قاعدة مزاعم ادعاءات التهميش والغبن الاجتماعي سيعطل من مشروع التغيير السلمي في السودان لأنه يستثمر في طاقة الغضب السالبة والتشكيك وزرع بذور الانتقام اكثر من المشتركات الوطنية. وتعارض توجهات الطبقة الوسطي التي تقوم عليها بنية المجتمع السوداني اي مشروعات للتغيير الثوري لانها ضد مصالحها التاريخية و الطبقية التي تستند علي بقاء الدولة لا هدمها وعلي التغيير السلمي المتدرج لا الثورة الهوجاء . و لن تغامر هذه الطبقات بمساندة اي مشروع تغيير دون ان تضمن مكانها في مستقبل المقايضات السياسية في السودان. وهذا ما يجعل اجندة الطبقة الوسطي تعلو علي توجهات الهامش وانسال غبنه الاجتماعي. وتبرز الحكومة رغم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها وقصور ادائها التنفيذي كمظلة حماية لمصالح هذه الطبقة لأنها الحامل الموضوعي للتحالفات الاجتماعية والسياسية الذي يرتكز عليها مشروع الحكم القائم الان. لذا أتوقع ان تواصل المعارضة فشلها في بناء اي قوة ناعمة لدعم مشروعها للتغيير لانها تحسن فقط الاستثمار في القوة الصلبة بإعتبارها الاسهل والأرخص اذ يقوم رأسمالها علي البندقية والمليشيات. اما القوة الناعمة التي تستند علي الأفكار والاطروحات والخطاب السياسي والبرامج الوطني وبناء الدولة السودانية واستقطاب قوي المجتمع الحية فذلك دونه خرط القتاد لأن من يستثمر في متواليات الغبن السياسي والاجتماعي لن يستطيع الاستثمار في المستقبل. [email protected]