شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة تحالف أنقاذ دارفور للسودان..الحقائق والمغازي ... بقلم: خالد موسي دفع الله
نشر في سودانيل يوم 22 - 02 - 2010

من المتوقع أن يكون جيري فاولر رئيس تحالف أنقاذ دارفور ووفده المرافق ، قد غادر السودان قافلا الي واشنطون، مع توقيت نشر هذا المقال، بعد أن زار الخرطوم ودارفور وجوبا. وقد قوبل الخبر الذي أنفردت به صحيفة (الأحداث) وأحتل مكانا بارزا في صدر صفحتها الأولي بكثير من الدهشة وعلامات التعجب، سيما وأن الصحيفة وضعت عنوانا مثيرا للخبر ، وهو أن أعدي أعداء الحكومة في الخرطوم. ولما كان الحدث في حد ذاته، معزوا الي تعارضه مع طبيعة الأشياء، وحقائق السياسة ، استفرغت وسع القلم للأحاطة بخلفيات التاريخ، وتحليل دوافع الزيارة ، وأستكمال الفراغات التي أبرزتها علامات الأستفهام والتعجب في المتن السياسي للخبر.
نشر الناشط اليهودي هوارد وودز في يناير2004 مقالا في صحيفة الواشنطون بوست أعلن فيه بطرف خفي عن تدشين منظمة جديدة ستغير وجه التعاطي الدولي مع السودان ، في ظل الأنباء المتواترة عن أشتداد أعمال العنف القبلية والمواجهات المسلحة بين الحكومة والمتمردين. وكانت لحمة المقال وسداه عبارة عن حوار أفتراضي بين الكاتب و أبنه الذي يشكو إرتفاع وتيرة العنف في دارفور حسب شهادة زملاؤه في المدرسة. فقال ردا علي أبنه إن الجهود جارية لتأسيس منظمة تضم تحالفا عريضا لوقف وتيرة العنف في دارفور، وتحميل الحكومة السودانية مسئولية هذا القتل، وأن رأس المال التأسيسي للمنظمة بلغ في يومه الأول 5 مليون دولار، واعدا إبنه أنه بقيام هذه المنظمة سيتغير وجه السياسة في السودان في المستقبل المنظور..في ذات الوقت بدأت لجنة الضمير في متحف الهولوكوست في واشنطون التي يترأسها جيري فاولر، الذي أصبح رئيسا لتحالف أنقاذ دارفور فيما بعد، ورئيس وفد التحالف الذي زار السودان للمرة الأولي، ترسل بيانات أعلامية تحذر فيه من وجود مؤشرات تؤكد حدوث أبادة جماعية في دارفور(أنذارا بالأبادة) Genocide Alert .تم تأسيس تحالف أنقاذ دارفور في أجتماع "قمة طوارئ دارفور" الذي أستضافته مدينة نيويورك في 14 يوليو 2004 بدعوة من متحف الهلوكوست والمنظمة الأمريكية اليهودية للخدمات العالمية ، وقد تحدث في قمة دارفور المذكورة أيلي ويسل اليهودي المشهور الناجي من المحرقة النازية.
ومن ثم رمت الحركة المعادية للسودان أثناء الحرب الأهلية في جنوب السودان بكل ثقلها وراء قضية دارفور، وبالتالي فأن التحالف لم يبدأ من الصفر، بل أعتمد منذ البداية علي المؤسسات، والأفراد، والسياسات والتكتيكات والخبرات التراكمية وشبكات التبرع المالي وقواعد الدعم الشعبي التي كانت موظفة ضد الحكومة أثناء حرب الجنوب، لتواصل المهمة الجديدة في دارفور. ولعل الأختلاف الجوهري بين قضيتي الجنوب و دارفور، هو أن الكنائس الأيفانجليكانية الراديكالية كانت تقود الدعم والمساعدة لجنوب السودان ، بينما تولت المنظمات اليهودية قيادة تحالف أنفاذ دارفور، خاصة متحف الهولوكوست، ومنظمة Jewish World Service. ، وبعض المنظمات اليهودية الأخري التي تعمل ضمن أذرع منظمة أيباك ، وهي أضخم منظمة يهودية للعلاقات العامة في الولايات المتحدة لدعم أسرائيل. وهذا ما دعا صحيفة جورازاليم بوست الأسرائيلية في 2006 للأعتراف بأن التحالف يعتبر مبادرة يهودية خالصة.
نتيجة لأعتبارات سياسية خاصة بالأنتخابات، ونسبة لتكاثف الضغوط الشعبية التي قادها متحف الهولوكوست الذي أعلن (بيان أنذار الأبادة) ومنظمة تحالف أنقاذ دارفور، أعلن وزير الخارجية وقتها كولن باول أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 9 سبتمبر 2009 وقوع الأبادة الجماعية في دارفور. مثل ذلك الأعلان أنتصارا كبيرا لحركة تحالف أنقاذ دارفور التي ضمت في عضويتها أكثر من 180 منظمة في الولايات المتحدة، بما في ذلك عددا من المنظمات الأسلامية. ولعل مصدر الدهشة هو أنضمام منظمة الجمعية الأسلامية لشمال أفريقيا ISNA للتحالف ، وهي تعد أكبر منظمة أسلامية في أمريكا الشمالية حيث يحضر مؤتمرها السنوي حوالي 50 ألف عضو. ويرتفع حاجب الدهشة أكثر إذا علمت أن هذه الجمعية أسهم في تأسيسها وتطورها بعض الأسلاميين السودانيين، حيث تقلد رئاستها من قبل الدكتور قطبي المهدي،وشيخ نور وعمل في طاقمها التنفيذي الأستاذ ربيع حسن أحمد ، و الدكتور عوض الجاز والدكتور صابر محمد الحسن، والدكتور محمد الباقر السنوسي وعدد آخر من الناشطين السودانيين.ويبررالقائمون علي عمل الجمعية الأسلامية قرار الأنضمام للتحالف بأنه قائم علي حفظ العلاقات العامة مع المنظمات اليهودية، وحتي لا يتم عزل المنظمات الأسلامية من أضخم عمل شعبي في الولايات المتحدة.ويتضح من هذا التفسير ، مدي نفوذ وتأثير المنظمات اليهودية المكونة للتحالف في تشكيل الرأي العام ، وتحريك القواعد الشعبية حتي صارت المنظمات الأسلامية ذات الوزن النوعي تخشي علي نفسها من الفوران والدفع الشعبي لقضية دارفور . و دخلت منظمة تحالف أنقاذ دارفور التاريخ من أوسع أبوابه، حيث وصفتها وسائل الأعلام الأمريكية بأنها أضخم تنظيم شعبي في تاريخ الولايات المتحدة بعد الحركة المناهضة للأبارتيد، ودخلت المنظمة في المقررات الأكاديمية وصارت نموذجا يدرس في الجامعات الأمريكية ليعبر عن مدي تأثير الرأي العام في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
نشرت مجلة Ebony (أبنوس) الشهيرة في محيط الأمريكيين الأفارقة، تحقيقا تحت عنوان (فريق الأحلام) تصدرته صورة ضمت كل من الناشط جون بريندرقاست، وعضو الكونقرس دونالد بين ، والصحفي نيكولاس كريستوف من النيويورك تايمز، والصحفية البريطانية جولي فلينت. وكانت تلك الصورة تعبر عن الخط الأعلامي الأستراتيجي للمنظمة الذي تمدد في أتجاهين كمي ونوعي. أرتكزت خطة الأنتشار الكمي علي تأسيس أفرع للمنظمة في المدارس والجامعات والولايات المختلفة،وشن حملة أعلامية شرسة لجمع التبرعات من أطفال المدارس الذين يقتطعون من وجبات أفطارهم لدعم أنشطة المنظمة لأنقاذ أطفال دارفور حسب مزاعمها.وسرعان ما أنتشرت أعلانات وملصقات التحالف في بصات المدن الكبيرة، وغطت الملصقات أكبر شبكة مترو في العالم في مدينتي نيويورك وواشنطون.أما خطة الأنتشار النوعي، فقد تضمنت أستخدام سحر النجومية التي يحتفي بها المجتمع الأمريكي، فأستقطب التحالف نجوم الصحافة وسينما هوليوود مثل الممثلة ميا فارو التي أضربت عن الطعام أكثر من مرة أحتجاجا علي ما أسمته العنف في دارفور، وكذلك الممثل جورج كلوني والصحفي نيكولاس كريستوف، واليهودي الناجي من المحرقة أيلي ويلسي، وصالح بوكر رئيس منظمة أفريكا أكشن، ومقدم البرامج الجماهيرية الشهيرة في واشنطون(الصقر الأسود) ، ومع تكثيف وتيرة المظاهرات والأحتجاجات الشعبية قام عدد من أعضاء الكونقرس بربط أنفسهم في باب السفارة مثل عضو الكونقرس السابق فانتروي، و دونالد بين.
نجحت المنظمة من خلال تنظيمها الشعبي المتماسك في أقناع الكونقرس بأعلان يومي 15-17 يوليو 2005 عطلة نهاية الأسبوع "للصلاة والتأمل من أجل دارفور"، في كل أنحاء الولايات المتحدة. وأرسلت الي البيت الأبيض مليون خطاب من خلال موقعها الألكتروني،كما أقامت حشدا كبيرا في ميدان المول بواشنطون حضره قرابة العشرة ألف حضروا من مختلف الولايات المتحدة،و خاطبه عدد من السياسيين والناشطين وأعضاء الكونقرس لعل أبرزهم الرئيس الحالي باراك أوباما السيناتور الجديد حينها في الكونقرس الأمريكي، و اليهودي الناجي من المحرقة إيلي ويلسي، كما أقامت مهرجانات أخري أبرزها الذي أقيم في حديقة نيويورك المركزية بأسم الأيام العالمية من أجل دارفور ، حيث دعت الأمم المتحدة للتدخل من أجل دارفور، وتم توزيع 400 ألف رقم باللون البرتقالي علي النشطاء رمزا لمزاعم عدد القتلي في دارفور، وصار الرقم يمثل هوية لأحد الضحايا أمعانا في خلق تعاطف نفسي مع قضية دارفور.
مع تصاعد نجاح الحملة الأعلامية والسياسية لتحالف أنقاذ دارفور، تصاعدت أرقام التبراعات، حتي وصلت في وقت وجيز الي أكثر من 100 مليون دولار، رغم أن المعلن هو 14 مليون فقط. وأصبح المدير التنفيذي للمنظمة يتقاضي 500 ألف دولار سنويا، وهو رقم أعلي من دخل الرئيس الأمريكي وفق ما يحدده الدستور. وقد وصفت صحيفة الهيرالد تربيون الدولية الأشخاص الذي مولوا الحملة الأعلانية الضخمة في العام 2007 عن طريق تبرعاتهم السخية بأنهم مغفلين لا يدركون الحقائق علي الأرض. وسرعان ما أمتلأت الحوائط بالملصقات ، وفاضت الصحف بالأعلانات، حيث نشر التحالف أعلانا علي طول صفحة كاملة في صحيفة النيويورك تايمز يدعو للتدخل ، وفرض حظر الطيران في دارفور، هذا علما بأن صفحة الأعلان في النيويورك تايمز تكلف أكثر من 200 ألف دولار في اليوم.
تدخلت الدكتورة كوندليزا ، رايس، المندوب الأمريكي الدائم في الأمم المتحدة الآن، و التي كانت تتقلد حينها منصبا أكاديميا مرموقا في معهد بروكنز في واشنطون- تدحلت- في الجدل الدائر حول الخيارات المتاحة للتعامل مع السودان. وكانت رايس التي تقلدت منصب مساعدة الشئون الأفريقية لوزيرة الخارجية في عهد كلنتون تنضح بالعداوة الشخصية للسودان، سيما وهي أحد الذي صمموا خطة الحرب علي السودان عن طريق الجيران، وضرب مصنع الشفاء، وفرض العقوبات الأقتصادية وتشديد العزلة الدولية قد عارضت في هذا الصدد خطة تحالف أنقاذ دارفور بفرض منطقة حظر طيران فوق دارفور ،وذلك لأستحالة الدعم اللوجستي لعدم توفر قاعدة عسكرية في المنطقة . وأقترحت بدلا عن ذلك ضرب أهداف عسكرية علي متداد الأراضي السودانية، وفرض حظر بحري علي بورتسودان لمنع تصدير النفط، وأستيراد المواد الضرورية. وفي ذات الوقت قادت المنظمات الطوعية العاملة في السودان حملة مضادة ضد سياسات وتكتيكات تحالف أنقاذ دارفور بفرض حظر جوي علي دارفور، لأن ذلك سيؤثر سلبا علي عمل المنظمات الطوعية ويحول دون تدفق المساعدات الأنسانية. نجح أعتراض المنظمات الأنسانية في أبطال مفعول حملة التحالف بفرض الحظر الجوي، وقادت أحتجاجات مثل منظمة Action against hunger ومنظمة Inter Action الي أستقالة اليهودي الناشط روبنشتاين مدير تحالف أنقاذ دارفور الذي بدا غير مستوعبا للحقائق علي الأرض حسب تعبير المنظمات الأنسانية في دارفور. و لكن تغيير مدير التحالف لم يؤد الي تغيير سياسات التحالف سيما وأن الرئيس السابق بوش فرض مزيدا من العقوبات علي السودان. ولمزيد من العزلة الدولية ، وفض الحلفاء من جانب السودان،أختلق التحالف تكتيكا نوعيا جديدا بمهاجمة الصين لما أسماه دورها السالب في السودان، ودعمها غير المباشر للأبادة في دارفور. ونشر التحالف سلسلة من الأعلانات في صحيفة النيويورك تايمز لأنتقاد دور الصين في دارفور وربطت ذلك بقضية التبيت، ولكن ردت الصين قائلة إن قضيتي دارفور والتبت قضايا داخلية تخص كلا من السودان والصين وليس من حق أحد التدخل فيهما. مع تطور حملة تحالف أنقاذ دارفور، تم أنشاء منظمة لحشد الطلاب لدعم قضية دارفور تسمي STAND تحت رعاية متحف الهولوكوست، كما تم أنشاء منظمة أخري تسميNetwork Intervention Genocide .ولكن لعل المنظمة الأفعل والتي أستخدمت نفس تكيكات مناهضة الأبارتيد هي حركة سحب الأستثمارات من الشركات العاملة في السودان Divestment ، التي أنتظمت في وقت وجيز أكثر من 26 جامعة أشهرها جامعة هارفارد التي سحبت أسهمها من الشركات العاملة في السودان خاصة الشركة الوطنية الصينية للبترول. ونجحت في ذات الصدد من أستصدار قرار من الكونقرس الفيدرالي يحث الكونقرس في كل الولايات بأصدار تشريعات ولائية لسحب الأستثمارات من الشركات العاملة في السودان، خاصة الصينية، و أصدرت ولاية نيوجرسي أول قانون لسحب أستثمارات أموال الولاية من الشركات العاملة في السودان خاصة صندوقي الضمان الأجتماعي والمعاشيين. ولعل تصدر ولاية نيوجرسي لأختراط ذلك القانون يعود الي وجود شقيق النائب المعادي دونالد بين في برلمان الولاية، و يمثل هو أحد دوائرها في الكونقرس بواشنطون. كما تم تدشين قسما خاصة في محرك البحث العالمي (قوقل) لتوثيق ما أسموه القري المحروقة بواسطة الأقمار الصناعية. وقد جن جنون التحالف عندما هاجمه سفير السودان السابق في واشنطون جون أكيج مشيرا الي ان الشعب الأمريكي يتطلع لتوجيه وأستخدام فاعلية تكنلوجيا الأقمار الصناعية للقبض علي بن لادن بدلا من تصوير قري محروقة في دارفور تمت بفعل فاعل.
حقق التحالف قفزة نوعية أخري بتدشين منظمة جديدة ، يقودها نجوم هوليوود تحمل شعار (ليس تحت أنظارنا) Not In Our Watch شارك فيها الممثل جون شيدل الذي قام ببطولة الفيلم ذائع الصيت(هوتيل رواندا) الذي صور مأساة الأبادة في رواندا، وقام شيدل بزيارة معسكرات اللاجئين في شرق تشاد، ووعد بتصوير فيلم يسمي (هوتيل دارفور)، كما شاركت في المنظمة الوليدة أيضا الممثلة أنجلينا جولي التي تبرعت بمليون دولار لدارفور، وكذلك الممثلة ميريل أستريب التي أنتجت فيلما عن دارفور. وقد بلغت دراما النجوم أعلي أيقاعاتها بأعلان النجم جون تشيك الفائز بالميدالية الذهبية في رياضة التزلج علي الجليد في الأولمبياد الشتوية ، بجائزته المالية 25 ألف دولار لدارفور، ونظم تحالف أنقاذ دارفور لقاءات حاشدة للنجم الرياضي لأبراز قضية دارفور في الأعلام الأمريكي. كما نجح التحالف في أرسال الممثل المشهور جورج كلوني ووالده نيك كلوني الي شرق تشاد، وقاما بتصوير مشاهد أنسانية للاجئين تم بثها لاحقا في عدد من القنوات الأمريكية، كما أستضافت النجمة التلفزيونية أوبرا وينفري الممثل كلوني ليعرض مشاهداته ويروي قصته عن دارفور، ووصلا لذلك وبترتيب من الحكومة الأمريكية قام نيك كلوني بمخاطبة مجلس الأمن ، حاثا الأمم المتحدة بالتدخل الفوري لأنقاذ الضحايا في دارفور. أطلق التحالف منظمة جديدة تعني بمراقبة أداء أعضاء الكونقرس تجاه قضية دارفور، من حيث دعمهم للقوانين الصادرة، وأبتدار مشروعات القوانيين، وأصدار التصريحات والتعبير عن المواقف السياسية الداعمة لدارفور وخط التحالف الأعلامي والسياسي ، الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي الحالي أوباما، وهيلاري كلنتون وزيرة الخارجية عضوا مجلس الشيوخ السابقين حصلا علي الدرجة الكاملة A+ في تقييم المنظمة لأدائهما السياسي في قضية دارفور. أحدث التحالف أيضا نقلة جديدة بأصدار بيان من الكتاب الفائزين بجائزة نوبل، ونداءا الي فناني ومبدعي العالم تبناه بوب غيلدوف، كما أصدر رئيس الوزراء البريطاني نداءا للمجتمع الدولي لأتخاذ أجراءات فاعلة وسريعة، ولعل النجاح الأكبر للتحالف هو أستصداره بيانا مشتركا من مرشحي الرئاسة الثلاثة في الولايات المتحدة باراك ، أوباما، هيلاري كلنتون و جون ماكين لأيقاف ما أسموه الأبادة الجماعية وأتخاذ قرارات نافذة لتحقيق العدالة وأنصاف الضحايا أذا وصلوا الي سدة الحكم في البيت الأبيض.
بكل هذا الزخم جاء جيري فاولر رئيس تحالف أنقاذ دارفور مع أثنين من مساعديه الي السودان، بعد أن ظل يطرق باب السفارة لسنوات طويلة لمنحه تأشيرة دخول و زيارة السودان عبر بابه الشرعي، بعد أن قام بزيارة معسكرات اللاجئين في شرق تشاد عام 2005 حينما كان يتقلد منصب رئيس لجنة الضمير بمتحف الهولوكوست، ووثق زيارته حينها في مقال نشرته الواشنطون بوست تضمن أنطباعاته السالبة عن السودان. كانت للزيارة التي قام بها الدكتور غازي صلاح الدين في يوليو الماضي لواشنطون دورا أيجابيا في التمهيد للزيارة، حيث إلتقي عددا من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب،الذين أبدوا تفهما معقولا لتطورات الأوضاع علي الأرض ، وأعربوا عن رغبتهم في الأسهام أيجابا في حل مشكلة دارفور. ووفاءا لذلك زار السودان النائب المسلم كيث أليسون الذي سبق وأن ربط نفسه أمام السفارة حتي إعتقلته الشرطة، وكان لافتا للأنظار النبرة الأيجابية التي تحدثت بها النائبة شيلا جاكسون التي كانت تتولي رئاسة الكتلة السوداء المعادية للسودان داخل الكونقرس، هذا فضلا عن الجهود الأيجابية للسيناتور جون كيري بعد زيارته للسودان، والتوصيات التي قدمها للرئيس أوباما. وقادت الصدفة أيضا أن يلتقي الدكتور غازي صلاح الدين بالناشط الشاب سام بيل رئيس منظمة
Intervention Network Genocide الذي يتولي منصب نائب رئيس مجلس أمناء تحالف أنقاذ دارفور، وأبدي رغبة أيجابية في الدخول في حوار أيجابي لحل قضية دارفور.
أضافة للحراك الأيجابي الذي أسفرت عنه زيارة الدكتور غازي صلاح الدين الي واشنطون منتصف العام الماضي، قاد المبعوث الخاص غريشون حوارا مكثفا مع المنظمات المكونة للتحالف، وحرص علي الإلتقاء بفعاليات التحالف وممثليه بصورة راتبة يعرض عليهم نتائج زياراته، وحواراته مع الحكومة السودانية ، ويستمع الي وجهات نظرهم، وبذلك صاروا جزءا غير رسمي لمجموعة مستشاريه. وقد كشف هذا النهج الشفاف،عن أرضية مشتركة بين المبعوث الخاص وأجندة تحالف أنقاذ دارفور، خاصة حول أنحسار موجة العنف ، وضرورة السعي المشترك لتحقيق السلام. قاد هذا التفاعل المشترك الي محاصرة الأجندة المتطرفة، وأرتفاع النبرة الواقعية، وجاهزية عدد من المنظمات المكونة للتحالف للأنخراط في حوار أيجابي لدفع جهود السلام. أدي هذا الحراك الي حدوث شرخ في جسم الحركة الأحتجاجية في دارفور خاصة بين حركة كفاية Enough التي يقودها الناشط جون بريندرقاست، وبين بعض المنظمات المكونة للتحالف، حيث يري بريندرقاست أن العدالة خاصة عبر محكمة الجنايات الدولية يجب أن تحظي بالأولوية علي تحقيق السلام، فيما تري بعض منظمات التحالف أن السلام يجب أن يحتل الأولوية القصوي، ويتقدم علي المطالبة بالعدالة.
مع الحراك الأيجابي الذي أحدثته زيارة الرئيس دبي الي الخرطوم، وتطبيع العلاقات بين البلدين، أضافة الي المؤشرات الأيجابية لقرب التوصل الي توقيع أتفاق مع حركة العدل والمساواة وبعض الحركات الأخري، جاءت زيارة جيري فاولر الي السودان ، بعد أجراء حوار أيجابي وعميق مع أحد المسئولين السودانيين في واشنطون الشهر الماضي. ولا تعني هذه الزيارة أنحياز تحالف أنقاذ دارفور الي خيار السلام، ولكنها خطوة متقدمة في سبيل الوقوف علي حقائق الأوضاع في الأرض، وأجراء حوارات مباشرة مع المسئوليين السودانيين، وزيارة معسكرات النازحين في دارفور، هذا أضافة الي زيارة مدينة جوبا والألتقاء بقادة الحركة الشعبية. ولا شك أن حصيلة المعلومات، والأنطباعات والحقائق التي توصل اليها رئيس التحالف والحوارات التي أجراها مع المسئولين، ستسهم في بلورة موقف أكثر موضوعية وواقعية من مواقف التحالف السابقة التي كانت تخضع لداوفع أيدلوجية وعدائية.
وإن كان ثمة عامل حاسم في أبتدار هذا الحوار، وتعميقه فهو بلا شك الدور المؤثر والبارز للدكتور الهندي الأصل، اليوغندي الجنسية محمود محمد محمداني، البروفيسور بجامعة كولمبيا الأمريكية من خلال كتابه الذائع Saviors and Survivors (دارفور: منقذون وناجون. السياسة والحرب علي الأرهاب) الذي صدر العام الماضي، والذي أستطاع فيه أن يهز المسلمات الفكرية والأفتراضات النظرية التي قامت عليها حملة تحالف أنقاذ دارفور، وكشف الأداعاءات الزائفة التي تبنتها الحملة خاصة في عدد القتلي، وصوب نقدا علميا وموضوعيا لشكل ومضمون الرسالة الأعلامية للتحالف. قال الدكتور محمداني في نقده إن التحالف قام من خلال ماكنته الدعائية بتعرية العنف، وأنتزاعه من سياقه التاريخي والموضوعي، مشيرا الي أن العنف لم يحدث في فراغ سرمدي خاليا من حيثيات التاريخ وحقائق الجغرافية والأجتماع،وقدم في المقابل سياقات تاريخية وتحليلية توضح الأسباب الحقيقة التي أدت الي أشتعال وتيرة العنف علي نحو غير مسبوق، وأبان بأن الخطأ الذي أرتكبه التحالف هو أنه صور قضية دارفور بأعتبارها مشكلة أخلاقية لا سياسية. وقال إنها مشكلة سياسية في المقام الأول تعود جذورها الي الممالك الدارفورية القديمة ولسياسات المستعمر البريطاني الذي قسم الأراضي للقبائل التي تحترف الزراعية و تنحدر من أصول أفريقية، وتجاوز القبائل الرعوية التي تنحدر من أصول عربية. وفند تصوير الحرب بين العرب والافارقة بأنه محض أدعاء معددا الحروب التي قامت بين القبائل العربية حول نزاعات الأراضي. كما فند أيضا أدعاءات ومزاعم الأبادة الجماعية. وقد شهدت شخصيا مناظرتين للدكتور محمداني أحداهما في جامعة كولمبيا بنيويورك مع جون بريندرقاست، والأخري بواشنطون مع تحالف أنقاذ دارفور عند تدشينه لفعاليات الكتاب، وكثيرا ما أرتفعت الأكف بالتصفيق أستحسانا لآرائه وتحليله لسياقات وتطورات مشكلة دارفور، مما جعل مزاعم وأدعاءات التحالف تبدو سطحية ودوغمائية ، فاقدة للحس السليم و الموضوعية. وقد تصدت له في جامعة هوارد بواشنطون ناشطة من دارفور تسمي نعمات أحمداي من منسوبي تحالف أنقاذ دارفور، أستخلصت كل مهارات تمثيل دور الضحية، وأتهمت محمداني بأنه مرتزق ومدلس ومزيف، ولعل ناشطيتها لم تسعفها لأستدراك أن محمداني تم أختياره في ذات العام من ضمن أكثر 100 شخصية تميزا علميا في العالم.
100 most intellectuals in the World Top وأستدلت الأستاذة نعمات بوجود دارفوريين في مجلس أدارة التحالف دفعا لأتهام سيطرة الأجندة اليهودية علي المنظمة، فأجابها الدكتور محمداني بأن وجود موظفين من شتي أنحاء العالم في البنك الدولي لا يعني أن سياسته المالية تتميز بالعدل والشفافية وأنها تمثل وجهة نظر هذه الدول التي ينتمي لها هؤلاء الموظفين فصفق له الحضور.
أستطيع أن أقول وبكل ثقة أنه مع تعدد العوامل التي أسهمت في أنفاذ زيارة رئيس تحالف أنقاذ دارفور للسودان ، وفتح أبواب الحوار مع التحالف في أطار نهج قريشن لسياسة التعاطي الأيجابي. و إستعداد التحالف لأدارة حوار أيجابي للدفع بجهود السلام، إلا أن الدور الأكبر يعود للتأثير الكبير الذي أحدثه كتاب الدكتور محمود محمد محمداني و نشاطه العام من خلال المنابر ووسائل الأعلام المختلفة.وقد قدم الدكتور محمداني الذي يكن أعجابا كبيرا للراحل جون قرنق، وينتمي لليسار الليبرالي الأفريقي الذي يؤمن بالجامعة الأفريقانية Pan Africanism قدم درسا للمثقفين والمفكرين الأفارقة ، ولأهل اليسار الأفريقي من ناحية عامة الذين يؤمنون بتدخل الأجنبي الأبيض لأنقاذ الأفريقي الأسود من شرور نفسه وظلال غبائه. فهو من أشد المثقفين أيمانا بضرورة حل المشكلة في أطار البيت الأفريقي، لأن الغربيين لا يفهمون السياقات التاريخية والأجتماعية للقضية، إذ يصورونها بأعتبارها مشكلة أخلاقية وليست سياسية. وينادي الدكتور محمداني بحل المشكلة عن طريق التفاوض السلمي، ومخاطبة جذور المشكلة بتحقيق العدالة السياسية والأجتماعية وليست العدالة الجنائية، ناعيا علي الأستعمار إنحيازه للقبائل الزراعية علي حساب الرعوية في تقسيم وتنسيب الأراضي مما فاقم من النزاعات القبلية خاصة بعد تقلص المراعي لفشو موجة الجفاف والتصحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.