لا نجد للدولة وصف وتعريف يطابق واقعها الضبابي في كل المعاجم والمراجع التاريخية، تلك التي تحتوي علي سجلات الدول من حولنا، توضح خرائط جغرافية ونظم إدارية ودساتير وقوانيين وهياكل مؤسسات تعبر عن الحضارة البشرية علي إمتداد كوكب الأرض، عندما تتحول الجامعات السودانية الي اقسام للبوليس الإنقاذي الإسلاموي، الذي أعد العدة بخطة سياسية معلنة، تم رسمها للقضاء علي أخر ما تبقى من منابر الوعي والإستنارة في البلاد. لا نجد تعابير بليغة ورصينة تفسر شعورنا تجاه بلادنا وشعبنا بكل لغات العالم، وتعكس مدى البؤس الذي سوف يخيم علي الفضاء العلمي والسياسي والثقافي في السودان، حينما يصبح الطالب رهينة القوانيين الجائرة، التي لا تؤدي إلا الي حيث الزنازين او الرصاص او حبال المشانق. لا الحديث ولا الكتابة مجديان، في ظل دوران الجميع حول نقاط الحسرة والندم علي وطن بات لعبة بين أيدي اللصوص، يباع ويشترى في اسوق جشع الإستثمار. ولا شيئ يحرك ساكن النظام الجبروتي وطغاته الفسدة، وهم يضعون ماضي وحاضر ومستقبل الأجيال في محك الإنهيار والسقوط الإخلاقي، بالتقهقر الي غياهب المشروع الحضاري الإحتكاري، طبقا لقانون شرطة الجامعات البربري. ثم يرجحون كفت الميزان لصالح الضياع الكامل بكل قوتهم، لا يبالون ولا يلتفتون للكوارث الوطنية الوخيمة التي ستنتج عن قوانينهم القاهرة لحرية الرأي وديمقراطية العمل السياسي. إنهم أناس لا يفقهون ما تقدمه الجامعات، من خلال الإبداعات الطلابية السياسية والثقافية، ولا يدركون أنهم سوف يسقطون ويذهبون الي مزابل التاريخ، ولو حولوها الي أرض جرداء محروقة لا حياة فيها كما فعلوا بمناطق النزاعات المسلحة التي أبيد ساكنيها، وشرد من نجى من قصف طائرات الأنتينوف. ليتهم تذكروا سلطة (مايو) التي سبقتهم، وكفاح الطلاب الذي لم ينقطع البتة عن التدفق علي مجرى الحرية، ولن يتوقف وإن أتوا بكل قرارات حزبهم و برلمانهم، فهؤلاء الفتية الأشاوس قادرين علي صدها وحماية جامعاتهم التي تمثل قبل العلوم والمعارف، وواجهات الحضارات العريقة. ومن المؤسف جدا حد الضيق والإختناق، أن يخطط قادة السلطة الإنقاذية الرجعية لمحو العلم، باتباع سياسة بيع مؤسساته لصالح تضخيم ثروات طبقة البرجوازية الحاكمة والمتسلطة علي الشعوب، وتكبيل العقول بقوانيين سنها من سن سيف المنية لقطع رقاب دعاة الحرية النوارانية في عصر ساده سواد الجهل وسوء الإدارة ووصم (بتابوت حلم الوطن) في عهد الدكتاتورية والتسلط. تلك الكائنات البشرية المشوهة إنسانيا وأخلاقيا رويدا رويدا تترجم لنا وللعالم اجمع مقاصد مشروع الإسلام السياسي، ذلك الذي يمثل حاضنة رئيسية لتيارات وجماعات التطرف الديني ومحاربي الحقائق الكونية التي لا تكتشف إلا بمجهر الفكر الحر. إنهم يتعمقون يوم يلي الأخر في سطوتهم علي الحريات، متدرجين بكل جهدهم علي سلالم الإستبداد، بهدف نهب الحقوق السياسية والمدنية وتدمير المعالم الحضارية في بلادنا المنكوبة. ولقد أشاعوا الظلم في منعرجات الطرقات، وفي بيوت الفقراء والكادحين المكافحين، وفي كهوف وخيام النازحيين وهجير منافي اللاجئيين، وشيعوا الدولة السودانية الي جهيم الحرب العنصرية، وشيعوا قصورهم بجماجم الموتى وحجبوا عنا شعاع السلام. إنهم لا يطعمون من جاع، ولا يسقون من عطش، ولا يكسون العرايا، بل هم يعيشون علي رهق الضعفاء، ويسفكون دماء الأبرياء، يجلسون علي صدورنا جبرا بجبروتهم. إنهم ينتهكون حقوق الإنسان ببطشهم وإرهابهم، ويرسلون جيوشهم الي اليمن وغيرها، مقابل عوائد مادية تصرف في بناء سدود إبادة الحضارة - شمال البلاد. نحن في وضع يصور لنا مدى الإنحطاط الذي أحاط بوطننا من كل جانب، ويؤكد أهمية تثوير الشارع السوداني من أجل حياة لائقة لا تشوبها المواجع. قانون شرطة الجامعات فصل وترز لتدمير الجامعات السودانية، وليس حفاظا عليها كما يقول الإنقاذيون في أحاديثهم وتصريحهاتهم والتي تقطي الساحة الإعلامية الحكومية، وتم وضعه بهذه الكيفية المؤسفة، وفي هذا التوقيت المهم لحركة التاريخ الثوري السوداني، ليلبس (كستر فضفاض) لتقطية فضيحة إنتهاك حقوق الطلاب والطالبات في واحدة من فصول الدكتاتورية الأشد خطورة علي مصائرنا المجهولة، وعلي الحركة الطلابية مواصلة مقاومة كافة القوانيين والقرارات الظالمة المفروضة عليهم بقوة بنادق جنود السلطة (الإسلاموعسكرية)، ويجب توسيع دوائر وحلقات المقاومة الطلابية، بتكوين تحالف طلابي عريض من اقرانهم الوطنيين العامليين علي ايجاد وطن حر ديمقراطي، وجامعات حرة تنشز الوعي والإستنارة لا العنف والإستهبال السياسي. ولا يقتصر الدفاع عن حقوق الطلاب وشرف الجامعات علي طلابها فقط، بل هذه مهمة كل السودانيين الذين يمثلون أسر وعوائل الطلاب، ويهمهم تعافي البيئة التعليمية والمناخات السياسية والثقافية فيها، وتحقيق العدالة لشهداء الوسط الطلابي، الذين قتلوا خلال حقبة حكم النظام الإنقاذي المستبد. وعلينا أن نعلم جميعا، أن الجامعات جزء أصيل من مصادر تنمية و تطوير الدولة ومدها بأسباب البقاء، والمستقبل يبنى علي العلم والمعرفة، لا علي الجهل والخرافة. وهذه دعوة نبعثها الي القوى الشعبية والسياسية والمدنية، ولكل الراقبيين في التغيير والتحرر وبناء دولة ديمقراطية ومجتمع إنساني تعاوني، أدعوهم جميعا لمشاركة الطلاب السودانيين في نضالهم وسعيهم لتحرير الإرادة الطلابية في ممارسة أنشطتها بحرية وسلام، وتلبيت نداء الواجب الوطني والإنساني، بالعمل معهم في الدفاع عن الوطن، والتخطيط لإدارة مرحلة ما بعد التحرر الوطني. حتي نستطيع مطالعة الغد، بشعاع ساطع يظهر ملامح الدولة السودانية التي نتمناها ونسعى لبنائها علي أيدي الأحرار. سعد محمد عبدالله [email protected]