تصريح (قاتل) أطلقته أمس، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي (كريستين لاغارد) فحواه: "أن اقتصادات دول الشرق الأوسط أضحت مدمرة بسبب النزاعات والحروب وأزمات اللاجئين". وفصلت لاغارد في مدونتها الأمر على نحوٍ من : هناك أكثر من عشرين مليون نازح وعشرة ملايين لاجئ، في المنطقة، علاوة على تدمير معظم وسائل الإنتاج في مناطق النزاعات، أما الخسائر على مستوى الثروات والعائدات فهائلة جدًا، فيما يضعف رأس المال البشري بسبب نقص العمل والتعليم وهجرة الكوادر المؤهلة، وفقدان الثقة بين المجتمعات المحلية وضعف التآلف الاجتماعي". لم تكتف لاغارد بذلك، بل أوغلت عميقًا حد طرح الحلول إذ نصحت حكومات المنطقة (الشرق الأوسط) بأن تعمل قدر الإمكان على الحفاظ على المؤسسات الاقتصادية قيد العمل، وأن تمنح الأولوية للنفقات المخصصة لإيواء الفئات الأكثر هشاشة وحمايتها والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي من خلال التصدي للتضخم والإبقاء على احتياطات نقدية كافية. وتوخّياً للإنصاف، لابد من القول بأن اقتصادات الدول التي أشارت إليها كريستين لاغارد، أفضل كثيرًا من اقتصادنا، رغم هشاشتها، وأننا مُنينا بسبب الحرب الأهلية التي ابتدرناها قبل استقلالنا الرسمي ولا تزال جيوبها فاعلة حتى اللحظة، مُنينا بخسائر فادحة في (الأنفس والثمرات)، ومذّاك التأريخ ظلت مُقدراتنا البشرية وثرواتنا في تناقص مستمر، فالحرب تفرز الفساد وتدمر وسائل الإنتاج وتدفع برأس المال البشري إلى الخارج، إضافة إلى أنها تفسد البيئة المجتمعية المدنية (الحضرية) وتدمرها، بتحويلها إلى نزاعات إثنية، وأكثر من ذلك. صحيح إن سورّية وليبيا واليمن والعراق تم إغراقها في دمار مفاجئ على أيد حكامها، بيد أن السودان تم تدميرة خطوة خطوة وببطء وعلى يد حكامه، لذلك فإن وضع مسؤولية (الدمار) كلها على عنق الخارج يبدو أمرًا سخيفًا، فيما نحن من نفعل كل شيء هنا، والخارج فقط (يشجعنا)، ولا يتدخل إلا حين يشعر بتهديد مصالحه. ما من شكّ أن مسؤوليّة تدمير البلاد تقع على (عواتق) ومعلقة على رقاب كثيرة، أهم واحدة فيها هي (رقبة) السياسيين والعسكريين، هؤلاء هم من حكموا السودان بالتناوب وعملوا جنبًا إلى جنب منذ قبل العام 1956م، للإطاحة بالبنيات التحتيِّة للدولة، وتشريد الكفاءات، والعبث بالمُقدرات وتدمير الخدمة المدنية واللهو بالثروات وتبديدها وليس أدل على ذلك الحال من الأوضاع الراهنة الماثلة، بلاد بطول السودان وعرضه وثرواته لا توجد فيها سكك حديدية، في الواقع كانت موجودة لكنها دُمرت، بلاد يغمرها الماء من السماء وتجري من تحتها الأنهار تعاني الظمأ والفاقة والجوع، بلاد كانت تمتلك مؤسسات تعليمية وخدمة مدنية يشار إليهما بالبنان، الآن لا بنان يشير إلا إلى الجهل والأمية وانعدام الكفاءات والفساد والتسيب، فمن المسؤول الأول عن هذا التدمير؟ من؟ اليوم التالي