يرتبط الإنسان العربي بالإبل ارتباطاً وجدانياً ومعيشياً، مثلما يرتبط بالنخل والصحراء فهو لذلك لا يرضى الضيم لإبله! ذلك لأن علاقة الإنسان العربي بالإبل علاقة تضرب بجذورها في عمق التاريخ، فهي التي كانت تحلمه عبر الصحراء إلى أماكن ما كان ليبلغها إلا بشق الأنفس وتحمل زاده ومتاعه دون كلل أو ملل، متحملة كل المشاق والظروف الصعبة. ويكفي الإبل شرفاً أن ذكرت في القرآن على أنها واحدة من معجزات الخلق؛ إذ قال الله تعالى في محكم التنزيل: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإبل عز لأهلها" وأثنى على أهل الإبل خيراً وأوصى بالمحافظة على الإبل. وقد احتلت الإبل مكانة مرموقة عند الانسان العربي، ولا يزال لها من ذلك حظ وفير عند كثير من الناس في العصر الحاضر! ولعل هذا ما جعل شاعرنا الكبير الفاتح أبو السارة الذي يشرف رياض الخير، العاصمة السعودية، هذه الأيام، يستنكر ما رآه قد حل بهذا المخلوق المقدر من حبس في أماكن تحول بينه وبين التحرك في الفيافي الشاسعة فأنشد يقول: كان يا جقلة حال المملكة اتقسالك أرحكي معاي وين ما درتي تلفحي شالك بلا الشقل المخدر سرحة ما بتحلالك إنت هملتي، دام حرموكي طولي بالك فمن الواضح أن الشاعر يواسي الإبل وهي في حبس لا يتفق مع طبيعتها ولا مع إحساس الشاعر نحوها فهو يوجه لها الدعوة المباشرة بأن ترافقه إلى السودان حيث المراعي المخضرة التي يمكن أن تسرح فيها الإبل معززة مكرمة كما يتضح من قوله: " وين ما درتي تلفحي شالك". والشاعر لا يكتفي فقط بدعوة الإبل إلى مرافقته بل يوصيها بالصبر وطولة البال. وهذه الأبيات تذكرني بقول رقية بت الشريف الذي قالته في موقف مشابه عندما غاب أحد ملاك الإبل ورأت الشاعرة ما حل بإبله من ضيم فخاطبتها بقولها: جقلة الضيم ما يضلك جبال القيقر هلك سيدك يوم بحضرلك بي دم روحه بحلك ومما يلاحظ على هتين المربوعتين أنهما تخاطبان الإبل باسم "جقلة" وهو شائع جداً في بوادي السودان التي تطلق على الإبل كثيراً من الأسماء وقديماً قالت العرب: " كثرة الأسماء تدل على عظمة المسمى". علاوة على ذلك، يلاحظ أن كلا الشاعرين يخاطب الإبل بضمير المخاطب " الكاف" وهذا يدل على العلاقة الوثيقة والقرب بين الإنسان العربي والإبل. [email protected]