مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بعد اتفاق الاتحاد والهلال.. نجوم الهلال سيغيبون عن معسكر عمان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تشعل مواقع التواصل بلقطة مثيرة مع المطربين "القلع" و"فرفور" وساخرون: (منبرشين فيها الكبار والصغار)    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدارس تدوين السنة المتعارضة
نشر في الراكوبة يوم 28 - 09 - 2016


:
اثار تعديل حد الزنا في القانون الجنائي السوداني كثيرا من الجدل الفقهي الذي ما من مخرج منه الا كتاب الله و (السنة الصحيحة) ومصطلح السنة الصحيحة يجب الا يؤخذ بحرفية ما كتب في مراجع السنة و انما يعني اخضاع السنة للمنهج العلمي من حيث أنها كتبت بأيدي بشر بعد أكثر من مائة عام من انتقال الرسول للرفيق الاعلي.
مدرستان متعارضتان : ( اهل الفقه والحديث ، واهل العقل ) من حيث النظر الي السنة هنالك
عرف المسلمون منذ القرن الثاني الهجري الخلاف بين المحافظين المتشددين والعقليين المتفتحين .. وتنامي هذا الخلاف من القرن الثالث الي ان انتهي بانتصار المحافظين في القرن الخامس الهجري ليدخل المسلمون مرحلة التقليد والجمود الي ان استيقظوا علي مدافع نابليون حين كان شيوخ الازهر يستعينون علي الفرنسيين بقراءة البخاري.
في البداية كانت مدرسة المدينة تمثل المحافظة والتقليد وتعيش في استرجاع امجاد عصر النبوة والخلافة الرشيدة حين كانت المدينة العاصمة الاولي للمسلمين قبل ان تنتقل عنها الاضواء للشام والعراق . ودارت الحركة العلمية في المدينة حول سيرة النبي ومغازيه وتخصصت في الاحاديث دون الرأي واعتمدت علي اهل المدينة مصدرا من مصادر التشريع ، ولأن الحياة الصحراوية تسير علي وتيرة واحدة فان التقليد يفرض نفسه ، ولكن اضيف عامل سياسي هو رغبة الامويين ثم العباسيين الاوائل في شغل ابناء واحفاد المهاجرين والانصار عن السياسة حتي لا تعود ثورات الحسين وعبد الله بن الزبير ومحمد النفس الزكية واخيه ابراهيم ، ولذلك تم اغراق المدينة بالجواري وشغل شبابها بالمتع الحسية ، وما يرويه الاصفهاني في كتابه الاغاني دليل علي حياة المدينة في القرن الثاني للهجرة ، وفي مقابل المجون انشغل اخرون من الفقهاء بالتطرف في الانكار علي الماجنين ، وكان الطريق الامثل لذلك هو اختراع احاديث الرجم للزاني المحصن التي بدأ بها الموطأ اقدم مصدر فقهي في تاريخ المسلمين.
وفي مقابل المدرسة المحافظة المتزمتة في المدينة اقام ابو حنيفة ( ت 150 ه ) مدرسة الرأي في العراق ، حيث جمع ابو حنيفة بين الفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وحيث رفض الاسانيد التي يخترعها اقرانه من فقهاء الحديث والتقليد . وبعد مقتل ابي حنيفة بالسم انقسمت مدرسته الي ( 1 ) محافظين ) كان منهم محمد الشيباني راوي الموطأ وابو يوسف ، وكلاهما خدم قاضيا للدولة العباسية .
( 2) متطرفون في اسستعمال الرأي الفقهي , الي درجة اختراع فقه الحيل ، او التحايل علي الاحكام الشرعية بالاراء العقلية. ولكن بدخول الثقافات الاجنبية المترجمة الي العصر العباسي تأسست مدرسة جديدة للتجديد العقلي حاولت التوفيق بين الفلسفات اللاتينية ومدارسها في انطاكية والرها وجندياسبور - والثقافة الاسلامية ، واثمر هذا التلقيح عن بروز مدرسة المعتزلة او كما يسمون انفسهم اهل العدل والتوحيد . وادي ظهور هذه المدرسة العقلية الي توحيد الفقهاء جميعا في اتجاه واحد ضد هذه المدرسة العقلية الفكرية ، ولذلك انتقل الاتجاه المحافظ الي المذهب الحنفي ، وظهر الشافعي يمزج مدرستي الرأي والحديث معا لصالح التقليد ومدرسة الحديث ، وبتوالي القرون صار التجديد الفقهي داخل المذهب الحنفي يجري في اطار تقعيد الثوابت الفقهية التي ارساها مالك من قبل ، وهو زعيم المدرسة المحافظة ، وابرز ما يعبر عن ذلك هو الفقيه الحنفي علاء الدين الكاساني توفي سنة 587 ه ، في كتابه الفقهي الضخم ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع).
وبموت الشافعي سنة 204 كانت الفجوة قد اتسعت وتحكمت بين المدرسة العقلية التي اطلق عليها خصومها الفقهاء اسم
( المعتزلة ) وبين مدرسة الفقهاء والحديث التي اطلق عليها العقليون ( الحشوية ) أي الذين يحشون عقولهم بالنصوص دون تعقل او فهم . واغرم الخليفة المأمون بالمدرسة العقلية وناصرها في قضية خلق القرآن واضطهد من اجلهم المدرسة الفقهية المحافظة وكان زعيمها في ذلك الوقت احمد بن حنبل والمؤرخ محمد بن سعد ت 222 ه واستمر اضطهادهم طيلة عهد المعتصم ثم الواثق . .. ثم مات الخليفة الواثق فجأة سنة 232 اثر وصفة طبية خاطئة في علاج الضعف الجنسي ، وكان الذي يسيطر علي خلافته هو زعيم المعتزلة ابن الزيات الذي كان يضطهد ولي العهد الذي اصبح خليفته بسرعة تحت اسم المتوكل ، فانتقم من ابن الزيات وقتله بعد قصه هائلة من التعذيب ، وتحالف المتوكل مع اهل الفقه والحديث الذين اصبحول اصحاب السلطة في دولته ، وبعد ان كان لقبهم الحشوية اصبح لقبهم اهل السنة . وبتأثير نفوذهم اضطهد المتوكل المعتزلة والشيعة واهل الكتاب والصوفية ( أي كل الطوائف الاخري ) وتنوع الاضطهاد ليشمل القتل ومحاكمات التفتيش وهدم ضريح الحسين في كربلاء ، والزام اهل الكتاب بلباس معين للتحقير . وصارت تلك السياسة سنة متبعة فيما بعد . اذ استمر نفوذ اهل السنة ،. وقد تأكد التقليد بظهور الامام الغزالي توفي سنة 505 الذي وحد بين الصوفية والفقهاء في مواجهة الفلاسفة والمدرسة العقلية,
وادي هذا الانتصار للمدرسة الفقهية المحافظة الي تقديس الائمة من هذه المدرسة واعتبار احاديثهم ورواياتهم جزءا من الدين لا يستطيع احد مناقشتها مهما كان فيها من تناقض مع القرآن او مع العقل او مع بعضها . والدليل هو ما يحسه القارئ لما نكتبه في نقد مؤلفات تلك المدرسة المحافظة وتراثها الذي لا يزال مقدسا حتي الان في القرن الحادي والعشرين الميلادي . ويكفينا اننا نجد عسرا في اقناع القارئ بأكذوبة احاديث الرجم مع وضوح تناقضها مع القرآن الكريم .
منهجان مختلفان للمدرستين:
لم تعول المدرسة العقلية المعتزلية كثيرا علي روايات الاحاديث كما لم تركز علي الفقه ، واخذت اساسيات التشريع من القرآن ، لذلك كان رفضهم لحد الرجم الذي لا يوجد في القرن الكريم . وكانت لهم معاركهم الفكرية الكبري مع المدرسة المحافظة في القضايا العقيدية الخاصة بالله تعالي و القضاء والقدر والسمعيات والميتافيزيقيات . ونكتفي بدليل علي منهج هذه المدرسة بما ذكره الجاحظ المتوفي سنة 255 ه في رسالة القيان وهو يتحدث عن عدم تحريم النظر الي النساء يقول ( وكل شئ لم يوجد محرما في كتاب الله تعالي و سنة رسوله ( ص) فمباح مطلق ، وليس علي استقباح الناس واستحسانهم قياس ..) ثم استدل باخبار الصحابة والخلفاء دون ان يذكر اسنادا . ولا ينسي اثناء حديثه ان يتندر بأصحاب الحديث او كما يسميهم الحشوية فيقول ( وهذا الحديث وما قبله يبطلان ماروت الحشوية من ان النظر الاول حلال والثاني حرام )
وقد عاش البخاري في عصر الجاحظ ، اذ توفي البخاري سنة 256 ه . ومنهج لبخاري - ومدرسة الفقه والحديث – هو في صناعة رواية واسنادها الي النبي الذي مات قبلهم بقرنين من الزمان ، ويتم ذلك الاسناد عبر رواة ماتوا ايضا من قبل دون ان يعرفوا شيئا عما اسند اليهم البخاري من احاديثه ورواياته . و نعطي لذلك مثلا من احاديث الرجم ، وهو احدي الاحاديث المختلفة عن رجم من اسموه بماعز ، يقول البخاري ( حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا ابي قال : سمعت يعلي بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما اتي ماعز بن مالك النبي ( ص) قال له : لعلك قبلت او غمزت او نظرت ، قال : لا يا رسول الله : قال : انكتها ؟ لا يكني ، قال فعند ذلك امر برجمه ) ونحن نعتذر اذ نضطر لذكر حديث البخاري بلفظه الذي يخدش الحياء ، ونعتقد ان النبي عليه السلام لا يمكن ان يقول هذا القول الفاحش لأنه عليه السلام ما كان سبابا ولا فحاشا . ولكن ناخذ من الحديث دليلا علي منهجية الاسناد لدي تلك المدرسة التقليدية ، فالبخاري يكتب انه سمع شفهيا ذلك الحديث من عبد الله بن محمد الجعفي الذي كان يعيش في عصر البخاري .. وان ذلك الجعفي كان قد سمع ذلك الحديث من وهيب بن جرير وهو من الجيل السابق علي جيل البخاري ، ثم ان وهيب بن جرير قد سمع ذلك الحديث شفهيا من ابيه جرير الذي عاش في اواخر العصر الاموي مثلا ، وابوه جرير يزعمون انه سمع ذلك الحديث شفهيا من عكرمة مولي ابن عباس ، ويزعمون ان عكرمة سمعه من سيده ابن عباس ، وابن عباس بزعمهم في هذه الرواية يقول انه شاهد وسمع هذه الواقعة وهو بجانب النبي عليه السلام.
والمعلوم ان ابن عباس لم ير النبي ولم يسلم الا بعد فتح مكة ، وبعدها رجع مع ابيه الي مكة ورجع النبي الي المدينة حيث توفي ، ولذلك يقول ابن القيم الجوزية في كتابه الوابل الصيب ص 77 ( وهذا عبد الله بن عباس مقدار ما سمع من النبي لم يبلغ العشرين حديثا .) وبغض النظر عن الاف الروايات المنسوبة لابن عباس في كتب الحديث ، فأن الاسناد الشفهي عبر رواة مختلفين في الزمان والمكان والظروف لا يستقيم مع المنهج العلمي ، اذ كيف نصدق رواية واحدة تنتقل بدون تحريف او نسيان عبر عشرات السنين وعبر عدة اجيال كل منهم يلقيها للاخر شفويا . ثم كيف نصدق عشرات ومئات الالوف من الروايات المتضاربة والمتناقضة والمنسوبة الي النبي بعد موته بقرون . وعبر اشخاص موتى لم يعلموا بما اسنده اليهم اللاحقون من روايات. ولكن المهم ان هذا الاسناد للنبي هو الجدار الذي احتمي به علماء الفقه والحديث ، والذي جعل لارائهم حصانة من النقد ، وهو الذي اضفي علي ارائهم قدسية ، وفي النهاية هو الذي جعلهم ينتصرون علي اصحاب المنهج العقلي الذين كانوا يسندون اراءهم الي انفسهم ولا يتمسحون بالنبي عليه السلام ولا يكذبون عليه .. ومن افظع الكذب علي النبي عليه السلام ان تنسب اليه تشريعات تخالف القرآن الكريم . وفي نفس الوقت ينسبون اليه الفاحش من القول . مثل هذا الحديث السالف.
التشكيك في القرآن:
وبين سطور احاديث الرجم نلمح تشكيكات في القرآن عبر ما نسبوه لعمر ( اياكم ان تهلكوا عن آية الرجم .. والذي نفسي بيده لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة اذا زنيا ... الخ ) ومعني هذا ان في الكتاب ايات لم يكتبها ولم يبلغها النبي عليه السلام ، وترك هذا لعمر ؟
أكذوبة الرجم في الاحاديث
جاء في موطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني بتعليق وتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف تحت عنوان باب الرجم ورقم 693 الحديث التالي ( : اخبرنا مالك ، حدثنا يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول : لما صدر عمر بن الخطاب من منى اناخ بالابطح ، ثم كوم كومة من بطحاء ، ثم طرح عليها ثوبه ، ثم استلقي ومد يده الي السماء ، فقال : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فأقبضني اليك غير مضيع ولا مفرط ، ثم قدم المدينة ، فخطب الناس ، فقال : يا ايها الناس: قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم علي الواضحة ، وصفق بأحدى يديه علي الاخري ، الا ان لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا ، ثم اياكم ان تهلكوا عن اية الرجم ،ان يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ، فقد رجم الرسول ( ص) ورجمنا ، واني والذي نفسي بيده : لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة ، فانا قد قرأناها ، قال سعيد : فما انسلخ ذو الحجة حتي قتل عمر .!! ) انتهي ( ص 241 من موطأ مالك . ط2 . المكتبة العلمية )
لنناقش هذا الحديث في روايته و سنده و محتواه.
من حيث الرواة:
مالك بن انس لم يكتب هذا الحديث ، لأن مالك لم يكتب الموطأ ، ولكن مالك كان يروي الاحاديث ويسمعها منه تلاميذه ، ثم يكتبونها ، ولذا تعددت روايات الموطأ حتي بلغت نحو عشرين نسخة مختلفه ، ومنها نسخة او رواية محمد بن الحسن الشيباني القاضي العباسي المتوفي سنة 189 . أي بعد مالك بعشر سنين ..و منهج محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الموطأ ان يقول ( اخبرنا مالك ) ثم يذكر الرواة نقلا عن مالك ، كما جاء في حديث الرجم ( حدثنا مالك ، حدثنا يحيى بن سعيد ، انه سمع سعيد بن المسيب يقول ...)
بمعني اخر فان محمد بن الحسن الشيباني يزعم او يدعي ان مالك اخبره شفهيا بهذا الحديث بسنده ورواته ، وايضا بنصه ولفظه .. ثم بعدها قام بتسجيل هذه الرواية الشفهية كتابة ، والله تعالي هو وحده الاعلم اذا كان مالك قد حدثه فعلا بذلك ام لا
وبالتالي لابد ان يكون محمد بن حسن الشيباني صادقا وثقة حتي نصدقه في ان مالك قال تلك الاحاديث فعلا ومنها حديث الرجم ، فهل كان الشيباني يتمتع بالثقة والتصديق من علماء عصره ؟ . ان محقق كتاب الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني يدافع عن الشيباني ، وهذا منتظر منه بالطبع ، يقول ( وكل ما وجه من الطعون في محمد بن الحسن ( الشيباني ) مردود . وقد طعن ابن معين والعجلي في الشافعي : بأنه ليس ثقة . وابن عدى في ابي حنيفة ، وابو زرعة في البخاري : لقوله بخلق القرآن . ويحي بن سعيد في ابراهيم بن سعد ، والنسائي في احمد بن صالح ، واحمد بن صالح في حرملة ، ومالك في بن اسحاق ... وما من عالم من العلماء الا وقيل فيه شئ من ذلك ) ( مقدمة الموطأ ص 24 ) ونكتفي بهذا الاعتراف في اتهام ائمة الحديث والفقه لبعضهم البعض ، مما ينفي عنهم العصمة والتقديس التي اضافها عليهم المتأخرون في عصور التخلف.
ويبقي علينا ان نناقش موضوعيا حديث الرجم في الموطأ بعد ان عرفنا ان مالك لم يكتبه ، وانما رواه عنه الشيباني المتهم في صدقه ، والذي يحتاج للدفاع عنه بحجة ان غيره من كبار الائمة كانوا ايضا متهمين ، مع ان الخطأ لا يبرر الخطأ
نتابع الإسناد الذي يكتبه الشيباني يقول ( اخبرنا مالك ، حدثنا يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول : لما صدر عمر بن الخطاب من منى .. الخ ..)اذن مالك اخبر الشيباني شفهيا بأنه سمع يحيى بن سعيد الذي توفى بعد ذلك يقول ان سعيد بن المسيب الذي توفي بعد مولد مالك بسنة واحدة يقول كذا وكذا عن عمر بن الخطاب في خلافته أي قبيل وفاة عمر بعام
ولكن ليس صحيحا ان يروي سعيد بن المسيب حديثا عن عمر بن الخطاب ، لأن سعيد بن المسيب كان عمره عامين حين قتل عمر بن الخطاب ، فكيف روى طفل صغير عن عمر ، وهذا ما اشار اليه المؤرخ ابن سعد في الطبقات الكبري ، وهي اكبر و اقدم مصدر تاريخي لدينا ، يقول ابن سعد في ترجمته الطويلة لسعيد بن المسيب ( روي انه سمع من عمر ، ولم ار اهل العلم يصححون ذلك ) ولذلك فان ابن سعد تجاهل حديث الرجم في ترجمته لسعيد بن المسيب ورواياته الفقهية ، وقد بلغت نحو عشرين صفحة من القطع الكبير (الطبقات الكبري 5/ 88: 106 )
ثم ان سعيد بن المسيب بسبب اضطهاده من خلفاء عصره فقد اشتهر بالاعتزال والابتعاد عن المشاكل ، وقد رفض عقوبة السكران ، اذ سئل عن السكران : هل يذهبون به الي السلطان – فقال ان استطعت ان تستره بثوبك فافعل . ثم مالبث ان جعلوا ( حدا ) للسكران ونسبوه الي عمر بن الخطاب ، بمثل ما فعلوا حدا للرجم ونسبوه ايضا الي عمر .. اذن يستحيل ان يكون سعيد بن المسيب راويا لهذا الحديث عن عمر.
يبقي السؤال الاخير .. اذا لم يكن تشريع الاسلام مصدر حد الرجم فمن اين جاء ؟
هنا ننقل عن البخاري من باب المناقب حديث رقم 3560 يقول " حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال : رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم"
أي ان مجتمع القرود في الجاهلية سبق في تطبيق حد الرجم.
أمن التوراة ؟ هناك شك في ذلك نسبة لما دس في التوراة من كثير من التشريعات و الكتابات البشرية و قد جاء في القرآن ملخص لتشريعات التوراة (و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن) ولم يرد فيها ذكر للرجم الا أن القرآن أورد في عدة مواضع أن غير المؤمنين من الامم الماضية كانوا يهددون المؤمنين بالرجم بالحجارة و أحيانا يرجمونهم فعلا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.