لما أعيته الحيل .. لما فقد طرق الوصول إلى السلطة التي هي عشقه و حقه الطبيعي بالميلاد كما يعتقد .. لما أسقط ورقته الإنقاذييون لعدم خطورته عليهم كزعيم .. خرج (السيد) الصادق المهدي مغاضبا ليلتقي بأمثاله من جرحى قادة المعارضة و لم يرجع المراقبون ممن يؤملون خلاصا على أيديهم بغير بضع صور بين الفينة و أختها تجمعه مع من حار بهم الدليل في فنادق و قاعات المدن الأوربية. و لأن البشيريين يعرفون نقطة ضعف (السيد) لوحوا له بجزرة الحوار بإثيوبيا التي لباها خفافا سراعا و جماعته الذين خسروا الجولة قبل بدايتها. اليوم و بعدما قرصه برد الثلوج عزم على الرجوع إلى دفء شمس السودان و لكنه كدأبه لا يريده إلا رجوعا استثنائيا يليق بنضاله و انتصاره (الوهمي) الذي بدأه بخروج مخيب و سيختتمه بإياب أخيب .. يريد استقبال الفاتحين أسوة بالراحل جون قرنق الذي ضاقت الساحة الخضراء على اتساعها بمستقبليه لكنه نسي أن قرنق ولدته الغابة و عركته الحروب و حارب لقضية شعبه. كيف لا يكون استقباله استقبال الفاتحين الأبطال و هو السيد ابن السيد رغم أنف من رضي و أبى؟ السؤال الجوهري: ما الغرض من عودة السيد؟ بماذا جاء و لماذا يفرض علينا أو على مريديه استقباله؟ و الله لا أدرى متى خرج و كم غاب لأن الأمر سيان و الأحوال و إن شئت (الأهوال) بحضوره أو غيابه على سوءها الأول بل و تتفاقم. نعلم أنك السيد المطاع في قومك و جلهم غلابة و لكنهم يصدقونك الولاء و يبادلونك الولاء الأعمى و إنهم لتاركوا أشغالهم اليومية و آتون إلى استقبالك من الأصقاع و الفجوج العميقة لا لشيئ إلا طاعة لأمرك و رؤيتك البهية عليهم ثم يعودون بتعب و رهق بعدما حرموا من يعولون جهد يوم هو رزقهم. كانت لتعلو أسهمك و ترتفع مكانتك في العقول قبل القلوب لو أنك قدرت حال أتباعك و رجعت خفية بلا ضوضاء و لجان استقبال ثم قمت بزيارة من يحبك حيث هو. لقد منحت أمثال الصبي - بك قياسا - أمين حسن عمر أن يتندر بأسلوبه الراجف الساخر أن يقول غير آبه ( يعني نقول ليهو طلع البدر علينا ولا شنو؟). ما كان لمثلك أن تفوت عليه حقيقة أن الاستقبالات لا تَطْلبْ هذا إن كان من وراء المستقبل نجاحا و نصرا فما بالك بمن هو عائد و لا يتحزم بغير الفشل و خيبة الأمل. نردفك نصحا على نصحنا الأول لك .. تنحى و أفسح المجال لمن ليس برؤيته غباش و لا بظهره انحناء و لا بنفسه اعتقادك الراسخ أن بغيرك السفينة غارقة لا محالة .. أنظر مليا إلى كم تقسم كيانكم؟ تمعن أولئك الذين خروج عليك .. فئة شبابية رفضوا قيادتك التي تعدت نصف القرن و أنت فاقد بوصلة الوصول سيما أن المعترك لم يعد كما كان. فإن كنت محدودا و أنت صبي فلا محالة أنت أكثر محدودية و أنت شيخ. فليقم خاصتك و أهلك باستقبالك لأنه حق لك عليهم كوالد و واجب عليهم لك كأبناء أما السودان و شعبه فنقول إنك عقلت عقول تابعيك و جعلتهم سالبين مسلوبي الإرادة لا انتفعت بتبعيتهم و لا انتفعوا بقيادتك و كلاكما حمولة على السودان ليس إلا. إن انقلاب عمر البشير عليك هو الإنقلاب الأصغر أما الأكبر فآت من فئتك الشبابية. استحقت أمي أطال الله عمرها استقبالنا الحار لها و هي تحمل في طيات ثوبها حلوى و بعض رغيف و هي آيبة على ظهر حمار بعد غياب يوم كامل من المدينة تبيع و تشترى إلى قريتنا الصغيرة أما أنت أيها السيد فسيعطيك مريدوك استقبالا لا تستحقه و لو أنهم يتمتعون بحرية إرادة لأدركوا حقيقة أنك خيبت آمالهم في قضايا مصيرية و لأسدلوا ستار مسرحية ممجوجة من تأليفك، إخراجك، تمثيلك و مشاهدتك و هو كل ما تبقى لك. شريفة شرف الدين [email protected]