لكي تتفاعل الجماهير حركيا تجاه شأن ما لابد من توفر شرطين رئيسيين: قضية مؤثرة وقوة محركة.. بالتأمل في الوضع الحالي وما يتعلق بالقرارات الحكومية الاخيرة يمكن القول ان كلا الشرطين مهتزين.. فالقضية هنا عبارة عن عدة قضايا: رفع الدعم.. زيادة الاسعار.. تضييق المعيشة.. حكومة فاسدة تسرق مواطنيها الفقراء.. كل هذه القضايا وغيرها قضايا مهمة جوهرية وأساسية لكنها لم تعد مؤثرة.. أثرها تضائل باستمراريتها وتكرارها.. تماما كما تضائلت آثار سماع اخبار موت العشرات من السوريين يوميا على الرغم من فداحتها.. فلا جديد في أن الحكومة الفاسدة المستبدة تضيق على الناس فهي تفعل ذلك منذ أكثر من ربع قرن.. ولا جديد في أن الاسعار تزيد فهي ظلت في زيادة مستمرة منذ ذلك الوقت.. ولا جديد ايضا في أن الناس قد اعتادوا احناء رؤوسهم امام جبروت السلطة كما اعتادوا التعايش مع الأوضاع التي تلي أي قرارات من هذا النوع فقد فعلوا ذلك عدة مرات من قبل.. فلماذا نتوقع أصلا نتائج مختلفة اذا كانت المقدمات واحدة؟ لعل تبعات قرارات مماثلة لهذه القرارات الجديدة حدثت قبل ثلاث سنوات وأدت لما يعرف ب(هبة سبتمبر) لعل تلك التبعات هي التي جعلت النظام أولا وقطاعا من الشعب ثانيا يتخيل ان شيئا مماثلا قد يحدث الآن.. وهنا يأتي دور الحديث عن العامل الثاني في الحراك الجماهري الفعال.. القوة المحركة.. وأعني بها تلك الطاقة اللازمة لدفع العجلة الدفعة الاولى للامام.. أو الشرارة التي تلد النار.. أي العدد المطلوب من المحتجين الذين يؤدون فعلا احتجاجيا منظما ومؤثرا ينجح في جذب غيرهم وتشجيع الآخرين للسير على دربهم.. حتى تتجاوز كتلتهم الكتلة الحرجة ويتحول المشهد بالتالي من مسيرات جانبية الى مظاهرات احتجاجية ذات آثار حقيقية.. هذه القوة المحركة غائبة منذ أمد بعيد.. ففي ظل قمعية النظام يمكن القول بأن الكثير من من يمكن ان يطلع بدور في هذه القوة المحركة هو اما خلف القضبان أو مغرب مع نصف الشعب في خارج السودان أو اعيته سياط الزمان وظلم الاوطان أو تملكه الاحباط ولم يعد يحاول ان يعبأ بما يجري.. الخلاصة في ظل غياب قوة محركة منظمة وفاعلة فمن الصعب توقع أكثر من احتجاجات مصغرة من طلبة الجامعات وربما بعض المواطنين الغاضبين في أحياء قليلة متفرقة.. بالنسبة لهبة سبتمبر 2013 فقد كان سرها في فجائيتها.. فلا الحكومة ولا حتى الشعب الكاره للحكومة توقع ما جرى ولا المسار التصاعدي السريع الذي اخذته الاحداث بالرغم من أنها لم تبدأ بداية منظمة الا أنها استطاعت في الوصول لشكل متقدم سريعا.. لكن يجب الاعتراف بأنها ايضا لم تنجح في خلق حراك جماهيري حقيقي مع انها كانت اكبر حركة احتجاجية سلمية تحدث في عصر الانقاذ البغيض.. لكن الواقع يجبر على الاعتراف ان تظاهر 5 او 10 آلاف شخص من بين أكثر من خمسة ملايين يقطنون العاصمة لا يعد تحركا يمكن ان يخلق تغييرا.. هذا الرقم الصغير هو أقل من عدد أفراد أصغر الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام.. وهو يجعل من الضروري طرح السؤال حول اذا ما كانت القضية (أي قرارات رفع الدعم) ليست مؤثرة بما يكفي على هذه الملايين الغائبة لتدفها للتحرك.. الجواب على الأرجح أنها فعلا لم تكن مؤثرة بما يكفي وكذلك هي القرارات الجديدة.. وعليه لا يمكن توقع اية احتجاجات حقيقية خاصة قي ظل القمع الوحشي المفرط التي قوبلت به الاحتجاجات السابقة ومع تأهب قوات النظام المسبق لمواجهة اية احتجاجات قد تحدث هذه المرة.. بقي شيء أخير.. الحديث هنا عن الاحتجاجات وليس الثورات.. اذا حدثت احتجاجات ضد هذه القرارات اللصوصية فيمكن تجريدها في انها احتجاجات الجياع ضد سارقي طعامهم.. وان كانت فعلا كذلك فيمكن للصوص اخماد هذه الاحتجاجات بسهولة اما بالقمع واما بإعطاء الجياع قليلا من الخبز.. ولذلك قيل إن الجياع لا يصنعون ثورة.. الثورة يحركها الفكر في العقول وليس الجوع في البطون.. غير أن للثورة ميزة تفقدها الاحتجاجات وهي أنه لا يمكن التنبؤ بوقوعها.. لذلك قد تمر قرارات النظام التسلطية الجسيمة هذه دونما حدث يذكر وبعد فترة ما يسقط النظام كله لسبب أتفه.. ويكفي أن نتذكر أن تاريخ المنطقة برمته قد تغير بالكامل بسبب عربة خضار أخذت عنوة من صاحبها في بلدة تونسية صغيرة.. احمد عبدالواحد ستوكهولم [email protected]