لقد إستنفذ النظام الإنقاذي المستبد في بلادنا وقته الإفتراضي، بعد أن اغرق الوطن في محيط البؤس والهوان، وصار الوضع السياسي والإقتصادي في قمة التدهور، وتراجع الحال العام بشكل يثير الإشمئزاز والغضب ولا يطمئن الحالمين بوطن يسع الجميع. ولقد مات الضمير في نفوس الذين يجلسون علي صدور الجماهير منذ ربع قرن ونيف، وهذه الجماهير الثائرة السائرة علي خط النار في الشوارع السودانية الملتهبة، غدا ستشيع هذا النظام الي مزابل التاريخ. وقتها فقط نتنفس الهواء النقي ونهتف للعالم اجمع، اليوم صرنا (احرار لا ظلم ولا إستعمار)، وقتها فقط لا نجد طفلا قد انهكه وباء (الكوليرا) وآخر يصارع المنية بسبب تجريده من جلده بالقنابل الكيميائية التي تسقط من السماء الشاسعة عبر طائرات الإنتينوف الإنقاذية الغازية. نؤمن بأن نضالات وتضحيات الجماهير السودانية في كل ميادين الكفاح، لن تذهب مع الريح ولن تضيع ما لم تضيئ السماء التي طليت بالدخان اللا محدود. نؤمن بأننا الآن في عمق الثورة، ثورة البحث عن ذاتنا وحماية وجودنا في هذه الأرض المحروقة والشاهدة علي سيل دماء الأحرار بشجاعة وبسالة. نؤمن بعودة أرواح الشهداء حين نرفع رايات الحرية ونغني للسلام والمحبة ونشعل شمعوع السودان الجديد. إنه الوعد والعهد الذي بيننا ورفاقنا الأبطال الذين تصدوا للظلم وقاوموا الظالمين في خنادق معارك التغيير والتحرر. إنه طريقنا لتضميخ جراح (الوطن المصلب) بالقوانين الجائرة، والتعديلات الدستورية الأخيرة جزء من عملية (شنق الوطن)، في ظل ممارسات السلطة الحاكمة الغير إنسانية تجاه المناضلين، هي بناء ترسانة قوانيين فارغة لمزيد من الإنتهاكات السياسية والمدنية بحق السودانيين، هي محاولة جديدة لشد قيود الحريات وقمع المطالبين بدولة السلام والديمقراطية، هي اخر سيناريوهات الإستبداد التي توصل اليها نظام الجنرالات الإسلاموي، وهذا دليل علي تخبط النظام وإرتعابه من الحراك الجماهيري الذي تقوده قوى المقاومة السودانية الثورية بمختلف اطيافها، ويشكل إضراب الأطباء وتصاعد الحراك التنويري الثوري للحركات الطلابية والشبابية وتواصل نضال القوى السياسية والمدنية وإعتصام المواطنيين في المدن والقرى السودانية، إنتصارات مربكة لحسابات النظام، وتؤكد إقتراب موعد سقوطه وفنائه المؤكد في مقبل الأيام، لذلك لا نستغرب إذا قام النظام بتنفيذ حملة إعتقالات واسعة النطاق في صفوف المعارضة، ولا نستغرب من التعديلات الدستورية في بلد تدار بدستور (النكتة والمزاج)، لا نستغرب البتة من افعال المؤتمر الوطني سليل تنظيم الحركة الإسلامية. هؤلاء هم أس الكوارث الوطنية التي تحدث في الدولة السودانية كل يوم، هؤلاء هم من حكم علي شعبنا بالفقر والتشرد وضنك الحياة المعيشية، هؤلاء هم من تسبب في نصب (خيام عزاء) لشهداء النيل الأزرق وجبال النوبة/جنوب كردفان ودارفور وشهداء هبة سبتمبر، وهم من نصب (خيام النازحين واللاجئين) في شتى بقاء السودان والدول المجاورة وما وراء المحيطات. هؤلاء هم طبقة الجلابة (البرجوازية الحاكمة) يسيطرون علي السلطة والثروة ويفرضون علي الشعب قوانيين وقرارات لا تعبر إلا عن إنحطاط المشروع الحضاري الإسلاموعروبي في السودان الحالي، هؤلاء هم من فرق السودانيين في وطن عرف شعبه بالطيبة والتعايش السلمي. بقاء هذا النظام يعني مزيدا من سيل الدماء والتقهقر السودان الي اسفل قوائم الدول الفقيرة التي تعيش شعوبها في قمة الظلم والتهميش من قبل الأنظمة الدكتاتورية. بقاء هذا النظام يعني تدهور الصحة والتعليم وغياب العدالة الإجتماعية وإنتشار الجرائم والفساد المالي والإداري، وتواصل الحصار الأمني المضروب علي شعبنا في كل رقعة من تراب البلاد. بقاء هذا النظام يعني بقاء السودان في قائمة الدول الراعية والمصدرة للإرهاب، خاصة في ظل تجمع قادة الجماعات الإسلاموية المتطرفة في الأراضي السودانية لا سيما قادة جماعتي الأخوان المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية، وهذا يتعارض كليا مع توجهات الدول الديمقراطية ويعرض السودان لخطر التحول الي بقعة سوداء تموج فيها التيارات المتعصبة التي لا يعرف افرادها إلا لغة (التفخخ والتفجير)، وسط المجتمعات الآمنة والمسالمة علي مدار تاريخ وجودها. بقاء هذا النظام يعني تشويه السودان في المحافل الدولية مع إنعدام العمل الدبلماسي وعدم مقدرة الإنقاذيين علي وضع إستراتيجية واضحة للتعامل مع العالم، فالصراع الدائر، هو صراع السلطة الحاكمة من جهة والمجتمع السوداني والعالم كله من جهة آخرى، ولا توجد بوادر إصلاح الوضع الجاري، لإصرار النظام علي المضي في تنفيذ سياسات الحرب علي الشعب، والحرب علي الشعب تتنافى مع توجهات الدول الديمقراطية الداعية للسلام. فما لم تغير الحكومة مسارها الداخلي، لن تستطيع التصالح مع المجتمع الدولي، وما لم تقبل الحكومة بالجلوس علي منضدة حوار سلمي شامل يجمع كل السودانيين، لن تتمكن الحكومة من تجاوز ازماتها القائمة، وما لم يبدأ الحوار بلقاء تحضيري يقام في مقر الإتحاد الإفريقي بالعاصمة الأثيوبية أديس ابابا ويؤدي الي وضع خطوط عريضة للحوار الشامل الذي يمر بوقف الحرب وإغاثة المتضررين وسينتهي بمؤتمر قومي دستوري، فلا تقدم ملموس قد يحدث، ولا نفع يجنى من المراوغة والتهرب من قرارات مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي وقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن السلام في السودان، والحوار الوطني المزور الذي دار في السودان مؤخرا وراهن علي نتائجه عدد من الأحزاب المصنوعة (بقدرة قادر)، ظهر ما بجعبتها متجليا في تمدد الصراع السياسي وتفاقم الإنهيار الإقتصادي فضلا عن إستمرار الكبت والتنكيل بكل المعارضين السياسيين والمدنيين والزج بهم في السجون والتهديد بمحاكمتهم. الآن وجب علي السودانيين جميعا تجميع صفوفهم وترتيب اوضاعهم وتوسيع دوائر اعمالهم الثورية في كل الجبهات، من أجل الضغط علي النظام للنزول الي رغبة الشعب في التغيير وبناء دولة سلام وحرية ومساواة. الآن يجب إطلاق حملات عابرة للقارات، تدعوة المجتمع السوداني والمجتمعات الصديقة لشعبنا للتضامن مع المعتقلين في السودان، والمطالبة بتدخل منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية لإطلاق سراحهم ووقف محاكمتهم، لأنهم لم يرتكبوا ذنبا يستدعي إعتقالهم ومحاكمتهم، وكل ما يطالبون به هو تطبيق الديمقراطية ووقف الحرب وتوفير الخبز والسكر والكهرباء والمياه للمواطن وتأمين حياة الطالب والعامل وفك قيود الحريات ومشاركة الجميع في بناء مستقبل السودان، لكن يبدو أن النظام لا تروق له مثل هذه الأحاديث ويتذمر حد (الإنتفاخ) عندما نواصل سرد مطالب الشعب السوداني وهي حقوق لا بد من عودتها شاء النظام ام رفض. الآن جاء دور المواطن السوداني ليقول؟ (لا) في وجه الفقر (لا) للحرب (لا) للظلم (لا) لقتل المواطنيين والطلاب (لا) لبناء السدود في الشمال (لا) لتشيد مصنع السيانيد في جنوب كردفان (لا) لحرب الأسلحة الكيميائية الروسية (لا) لإستقطاع وبيع المستشفيات والجامعات والمدارس والأندية الثقافية والميادين العامة (لا) لكل القرارات الجائرة، والف (نعم نعم) للسلام والإستقرار وبناء دولة العدالة والمواطنة والتنمية المتوازنة والديمقراطية الكاملة والتقدم الي الأمام حتي يكون إسم السودان عالي المقام. سعد محمد عبدالله [email protected]