طراد البدوي، وعم توفيق السوداني، وناصر عبد الإله هم أسرى الحزن، والقهر، والانكسار، في زمان عديم الرحمة، شحيح البراءة. قادتهم روائح ماكرة إلى فخاخ مآسيهم. روائح تحمل مكائد وأسرار وآلام. رائحة الطمع الذي شَكَّل مأساة طراد البدوي، ورائحة الخديعة التي قادت (حسن) الذي أصبح يدعى (العم توفيق) بعد أن نزعت عنه كرامته وسلبت منه رجولته. ورائحة الغواية التي مسخت نفس وحياة وشخصية (اللقيط) ناصر عبد الإله. هي فخاخ (الروائي السعودي يوسف المحميد) في روايته التراجيدية فخاخ الرائحة، التي ربط شخوصها ذوو الأرواح المنهكة، والأنفس المحطمة، ربطاً وثيقاً محكماً، وكأنه قدراً مقدوراً. (أنا يا سيدي رحت في الغابات، كنت أمشي في الليل وسط الأحراش وأنام في النهار، حتى لا أقع في أيدي الجلابة، كانت البلد ملأى بتجار الأوادم ...وكان الجلابة في كل شبر من السودان. كنا مثل البهائم نعيش على عشب الأرض وخشاشها، كان الجوع يقطعنا، إلى أن وقعنا في الفخ!!) هذا ما رواه عم توفيق إضافة إلى مآسي أخرى مخزية وجسيمة في رحلة العذاب الأبدي. (نذبحهم يا طويل العمر...نظر أمير القافلة من الأعلى نحو عيونهما المتوسلة وقال: لا ما يستاهلوا نلوث أيدينا بدمهم، وحنّا بنية حج، أحفروا لهم في الرمل حفرتين وأدفنوهم حتى رقابهم ..لا تتركوا إلا رؤوسهم للنفس ...! ) (آخ يا توفيق أنت غررت بك الرائحة، رائحة المشوي فوقعت في فخ الجلابة، وباعوك في سوق شندي، ثم .... أنا أيضاً يا توفيق رائحة الأبل، غررت بي فوقعت في قبضة المسافرين العابرين الحجاج). (...أحاول أن أتخلص من حبل قيدني به الكلاب...الذاهبون إلى مكة للدعاء، وهم لا يملكون الشهامة وكرم العفو والتسامح). في شدة يأسه تفوه طراد بتلك الكمات، بعد أن نهشت الذئاب وجه رفيقه نهار، واقتلعت حنجرته التي دوت بالصراخ في صحراء تآمرت هي الأخرى بعد أن أحالت رحابتها واتساعها، إلى سجن، وجعلت من رمالها، أغلالاً وسلاسل. أما مأساة ناصر عبد الإله فهي مأساة الطفولة المسلوبة. لا يملك الذي يقرأ فخاخ الرائحة: التي تقع في مائة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، التي نشرتها دار مدارك: إلا أن يخبئ حزناً قوياً ويصارع ألماً عميقاً تبعثه هذه الراوية داخله. فما أعمق جروح النفس، وما أقسى دموع الخذلان؟! [email protected]