هناك مثل عربي يقول (بين حانة ومانة ضاعت لحانا) ، وحكايته هي أن رجلاً تزوج بامرأتين، إحداهما اسمها حانة والأخرى مانة، وكانت حانة صغيرة في السن لا يتجاوز عمرها العشرين ربيعاً بخلاف مانة التي كان عمرها يزيد على الخمسين، واشتعل رأسها شيباً، وكان الزوج كلما دخل الى حجرة حانة (الحنونة الصغيرونة) تنظر الى لحيته باستياء وتبدأ في نتف شعرها الابيض وتقول يحز في نفسي ويصعب علىَّ رؤية هذا الشيب يفسد لحيتك الجميلة وأنت ما زلت شاباً، وعندما يأوي الى حجرة مانة العجوز ، فإنها كانت تشرع فوراً في نزع الشعر الاسود من اللحية وتقول يغيظني ويكدرني أن أرى شعراً أسود بلحيتك وانت رجل كبير في السن وجليل القدر، وعلى هذا المنوال استمر الحال بالرجل الى أن نظر الى وجهه في المرآة يوماً فرأى مدى التبشيع الذي حل بلحيته فقال عبارته التي جرت مثلاً (بين حانة ومانة ضاعت لحانا ) ... في تقديري أن مؤدى هذا المثل يقع على حال الصحافة وقع الحافر على الحافر، فالذي حدث ويحدث للصحافة المهنة من جهات متعددة وقوانين مختلفة ظلت تنزع شواربها لتصبح مستأنسة ومدجنة، أوذاك الذي يحدث لها ل(كريها) وشرائها على طريقة المثل الدارفوري (دبيب في خشمو جراداى ولا بعضي)، هو نفس الذي وقع على لحية زوج حانة ومانة حين كانت الاولى تدلعه وتستميت في استمالته ناحيتها، بينما كانت الثانية لا تتورع عن زجره وتوبيخه على بقاء بعض الشعر الاسود على لحيته ، وهو الرجل الكبير الوقور المبجل المحترم الذي لا ينبغي له الاحتفاظ بشعرة واحدة سوداء على لحيته ..وإلقاء أية نظرة حتى لو عجلى على حال الصحافة اليوم يكشف لك مدى النزع والنتف والتشليح الذي عانت منه وما تزال، واذا ما قرأنا ذلك وقرناه بأحوالها الاقتصادية المتردية التي تجعلها في وضعية الموت السريري فإنك لا تملك الا أن تقيم عليها مأتما وعويلا ، والامثلة والادلة على (قفا من يشيل)، ولكن ليس من دليل على سوء هذا الحال الذي ترزح تحته الصحافة أبلغ من الصرخة المجلجلة للبروف علي شمو رئيس مجلس الصحافة السابق عندما أعلن في وقت سابق بالصوت الجهير توجعه من الحال الذي آلت اليه الصحافة، وشكا من ضعف المجلس وهوانه وضياع هيبته جراء الوضع الغريب الشاذ الملتبس الذي تعانيه الصحافة ومجلسها ، هذا غير كيل السوء الذي زاده بها عميد الصحافيين المخضرم محجوب محمد صالح الذي وصف مبلغ السوء الذي بلغته الصحافة الآن بأنه الأسوأ على مر زمانها ومراحلها ..فرفقا بهذه الخدمة الحيوية التي لا غنى عنها ... الصحافة