لا أحد يستطيع إعادة الماضي، أو إعادة لحظات عاشها سابقاً، كل شيء يتغير، أو يجب أن يتغير شئنا هذا أم أبينا. وفكرة التغيير هي الأثقل والأكثر ألماً للأنظمة الشمولية والاستبدادية ومن شايعها، لذلك يطرحون دوماً وبشكل مستمر، سؤالاً (ساذجاً) واحداً: ما البديل؟! قد يكون هناك مبرر لطرح سؤال، ما البديل؟ وخاصة في وضعنا وحالتنا الراهنة، الساكنة والمتكلسة، والمضادة لحركة الكون والحياة والتاريخ. لكن يبقى السؤال بلا إجابة؟! لأنه بالرغم من الطرح الساذج، فالسؤال لا يخلو من انتهازية وشر مبطن، ووسيلة (لا أخلاقية) تقوم على الرفض ومعارضة الآخر، بحجج وأمثلة ومقاربات لمجتمعات مشابهة، دفعت وما تزال أثمان باهظة، لمجرد محاولتها ذلك. ولكن من يظن أن التغيير، غير قاس ومكلف، هو أيضاً ساذج (مغفل)، لأن إرادة التغيير لا تكتسب بالانتظار والاستسلام، كما أنها لا تأتي من الخارج، بل هي أحداث مزلزلة، تخرج من الداخل، بركاناً يقلب الاتجاهات المرسومة، ويغير المسارات الرتيبة، ويؤدي إلى التحولات الفاصلة. وسيكون التغيير مكلفاً وقاسياً في الحالة السودانية التي لم يعد نظامها حريصاً على تحمل مسؤوليته أمام الله والتاريخ، بما اقترفته أيديه تجاه البلاد والعباد، بقدر حرصه على حماية مكاسبه التي اكتسبها في غياب الرقابة الأخلاقية والمساءلة القانونية. يعلم ذلك القيمون على النظام كما يعلمه كذلك راعي الضأن في الخلاء. لكن ليس بذات السينايورهات التي ترسمها الأجهزة الأمنية الممسكة بزمام الأمر في ظل غياب الفعل السياسي، والإفلاس الفكري، وهي عبارة عن مقولات عامة (لا تقوم على أساس متين ولا مبررات رصينة) ليغذيها المخيال الشعبي بأقاصيص أشبه بأفلام الرعب. سيكون التغيير مكلفاً لا لشيء إلا لأن الحركة الإسلامية كلها –وذلك ما أدركه الترابي- قد أسلمت قيادها للأجهزة الأمنية منذ أن تخلت عن أفكارها وشعاراتها الداعية للحرية والديمقراطية والعدالة، بعد أن قفزت إلى السلطة مباشرة وذلك حسب ما يراه المفكر الأبرز تجاني عبد القادر حامد، وما يراه كثيرون، أدركوا ذلك في وقت مبكر، أو في وقت متأخر فتحللوا من عقدة النظام أمثال غازي صلاح الدين الذي وصف النظام (بحكم تخصصه) بأنه ميت سريرياً، فقط ينتظرون إعلان حالة الوفاة هذه...ولأن التركة غير محصورة ومتنازع عليها ظل الجميع في حالة صمت رهيب. العاقلون أدركوا في وقت مبكر أن النظام قد استنفد كل ما عنده، وبدد كل ما يملكه من طاقات، وأدركوا كذلك أن من الحماقة مواجهة نظاما جريحاً يمكن أن يفعل أي شيء في سبيل بقائه، خوفاً من المحاسبة والمساءلة والتجريد. لكنهم يدركون أن من الحماقة أيضاً، أن يبقى الجميع مكتوفو الأيدي، وهم ينظرون إلى منظومة التدمير القائمة على أسس المنفعة، تقتسم كل شيء مع الموالين من الحركات المسلحة والأحزاب التي أنهكها الصراع، وبيع كل شيء في المزادات المعلنة والسرية... العاقلون، هم هؤلاء الشباب، الذين يراهنون على المستقبل، مستقبلهم الذي لا يساومهم عليه أحد، فهم غير معنيين بالماضي الذي لم يعيشوا فيه أصلاً، وغير مجبرين على تقبل حاضراً لم يشاركوا في صنعه...هؤلاء هم من في مقدروهم التغلب على حالة الفشل والإحباط التي تعم الجميع، وهم من باستطاعتهم توجيه دفة البلاد إلى جادة الطريق، بعد أن فقد النظام بوصلته ومبرر وجوده...هؤلاء من سيضخون دماء جديدة، ومن يأتون بالبديل. [email protected]