للكاتب والمخرج السودانى الأستاذ عبد الرحيم الشبلى ( 1/3 ) بقلم د.فائز إبراهيم سوميت مقدمة : من المتعارف عليه أن النقد بكل تشكلاته : نقد القصة قصيرها وطويلها , نقد الشعر , نقد الموسيقى ونقد الأعمال المسرحية لهو ضرب من ضروب الفنون .. ومن خصائص النقد أن يضئ ما أعتم فى العمل الإبداعى أيا كان شكله لإبراز المحاسن فيه ومناطق الخلل لغويا كان أم إبداعيا لإعادة ترتيب النسق الإبداعى فى العمل , فى حياد تام ودون بروز لشخصية الناقد على حساب النص محل النقد , ولابد كذلك أن تتوفر لدى الناقد عدة عوامل تعمل كآليات فى مجاله , فلابد أولا أن يتمتع الناقد نفسه بحس إبداعى عالى الجودة والنقاء وان بكون ملما بعلم النفس والمنطق والأدوات ألأخرى المساعدة مثل اللغة وغير ذلك , حتى يتمكن من إبراز جوانب القبح والنضج داخل النص , كما يجب أن يتمتع برؤية فاحصة تمكنه من النفاذ إلى نفسية المؤلف متغمسا لشخصيته لحظة تلبسه بممارسة العمل الإبداعى , وتمكنه كذلك من النفاذ إلى الرؤية الداخلية للنص لإضاءة جوانبه الخافية على القارئ أو المتلقى , لا أدعى أننى ناقدا مكتمل الأدوات ولكن لى شرف المحاولة . مدخل : كتاب مسرحيات مثيرة للجدل لمؤلفه الأستاذ عبد الرحيم الشبلى يحتوى على ثلاثة مسرحيات : الأولى ( أحلام جبرة ) وهى التى تعاملت معها لا لنقدها بل لتقديمها للقارئ كاحد النماذج الإبداعية التى قام بتأليفها الأستاذ عبد الرحيم الشبلى فى فترة حاسمة من تاريخ السودان وتاريخ الأمة العربية على حد سواء , والثانية ( فى إنتظار خير اللة ) والثالثة ( الزبانية ) . ولو تأملنا القترة التى ألفت فيها هذه المسرحيات الثلاث والتى كانت ما بين 1965 و1970 , هى فعلا فترة مثيرة للجدل فى حقيقة الأمر, إذ كانت تمور بالصراعات و الأحداث على المستوى المحلى والإقليمى , كما كانت فترة منعرجات حاسمة فى تاريخ الأمة العربية , فشهدت تلك الفترة محليا ثورة أكتوبر 1964 و5 حزيران 1967 م " النكسة العربية " وقد برز فيها الصراع ما بين القوى التقليدية والمؤثرة وما بين القوى الحديثة , وهذا من خلال تصوير المشاهد واللغة المسرحية الحادة التى كتب بها الأستاذ الشبلى حوار مسرحية ( أحلام جبرة ) .. المؤلف فى سطور : المؤلف عبد الرحيم الشبلى من مواليد أمدرمان , و يعد الشبلى من جيل العطاء الذى أفنى حياته لإعادة الإتزان لكثير من الأوضاع فى السودان , شعرا وفنا وموسيقى ومسرح , فى فترة تعتبر من أخصب الفترات فى تاريخ الإبداع السودانى ولاتزال تترك بصماتها التجديدية فى كل المناحى . ومن خلال الجمعية الأدبية بالمدرسة الأولية إنطلقت موهبة الأستاذ عبد الرحيم الشبلى , و تأثير دار الخيالة " السينما " على ذاكرته وأحاسيسه البكرة آنذاك . وفى مدرسة وادى سيدنا الثانوية أخذت موهبة الشبلى فى النضج المسرحى فكون فرقة للتمثيل ليتبارى بها مع رصفائه فى داخلية المدرسة .. حيث فى السنة الرابعة وفى ذات المدرسة قدم مسرحية مكتوبة باللغة الإنجليزية والتى كانت من ضمن مقرر مادة الأدب الإنجليزى للطلاب الجالسين لإمتحان الشهادة السودانية إذاك . دخل الشبلى جامعة الخرطوم ناقلا معه موهبته فى التمثبل , حيث مثل على المسرح الجامعى مسرحية " العباسة " التى كتبها البروفيسير عبد اللة الطيب مؤديا فيها دور هارون الرشيد إختاره مخرج البى بى سى البريطانى " بيرس بلارايت " بأن يقوم بدور بطل مسلسل إنجليزى يحكى عن حياة طالب سودانى كان يدرس فى بريطانيا , فتعلم من تلك التجربة كتابة السيناريو وتوزيع النص على الكاميرات المتاحة , ساعده ذلك فى إخراجه للتلفزيون السودانى مسرحية " الإمبراطور جونز " بعد تلك التجربة بعدة سنوات . وفى العام 1965 م قام بكتابة وإحراج مسرحية " الزبانية " للخروج من الركود الذى لازم المسرح الجامعى فى تلك الفترة فى الفترة ما بين عام 1961 – 1965 م معبرا بها عن الوضع السياسى القائم آنذاك . . قام كذلك بترجمة مسرحية " الإمبراطور جونز " للكاتب الأمريكى – يوجين أونيل – وقام بعدها بإعدادها وإحراجها للتلفزيون السودانى , كما قام بإخراج مسرحية " الحبل " لنفس الكاتب . وفى أثناء عمله بمعهد المعلمين العالى – كلية التربية حاليا - , قام بإخراج مسرحية " ظلام فى الظهيرة " مع طلبة وطالبات المعهد حينها والتى قدمت بالمسرح القومى السودانى بمناسبة اليوم العالمى لحقوق الإنسان فى عام 1970 م أعد وأخرج البرامج الإذاعية التالية : من المسرح العالمى وزاوية القصة . أما وفى غربته بأسكتلندة شارك بالتمثيل فى مسرحية " سير نوكس " مؤديا فيها دور الجنرال الفرنسى الغازى للبلاد الأوسكتلندية الجنرال " دو أسيل " . كما قدم للمسرح السودانى الممثل القدير على مهدى والذى فصل له الأدوار لينطلق بها نحو النجومية . هذه كانت عزيزى قارئ الراكوبة حصيلة التجارب الثرة التى قدمها الأستاذ عبد الرحيم الشبلى مؤلف الكتاب الذى نحن بصدده " مسرحيات مثيرة للجدل " على إمتداد عمره الإبداعى المديد بإذن الله , كما ندعو الله أن يعجل بشفائه ليعود معافا ويواصل فى عطائه . مدخل ثان : فشخصية عم جبرة فى هذه المسرحية جسدت البعد النفسى , حسبما فصله الأستاذ الشبلى لشخوص مسرحيته " أحلام جبرة " , لشريحة عريضة فى السودان عمال وصغار موظفين وأساتذة ومثقفين شعراء وفنانين إلخ .. الذين جعلهم الإقصاء والتهميش فى تلك المرحلة الباكرة من إستقلال البلاد , أن يمارسوا بما يمكن أن نسميه بالتسكع الأيديولوجى لأنهم لم تتاح لهم الفرص الكافية لتقديم أفكارهم وفك رهن مواهبهم لتقديمها بشكل جاد لمجتمعاتهم . فهم يتناولون قضايا جادة من مواقع التهميش التى أعدت لهم أو بالأحرى التى فصلت لهم . وهذا الدور أجاد إلصاقه وليس تفصيله أستاذ الشبلى بالعم جبرة قى مسرحيته " أحلام جبرة " . مدخل ثالث : عم جبرة فى مسرحية " أحلام جبرة " كهربجى بسيط , أكمل تعليمه الجامعى إلا أنه لم تتاح له الفرصة لكى يحصل على وظيفة حسب تأهيله فى الدولة , ولذا جاءت كل كلماته جافة وفظة طيلة المشهد الأول من المسرحية , لازمها سيناريو جاف مجسدا لها , لم يبرح حديقة القرشى أو " 17 نوفمبر " بإعتبارها تمثل حقبة معينة من تاريخ السودان العاصف , حيث أرسل العم جبرة لتوصيل الأسلاك ولمبات الإضاءة لإستقبال مؤتمرا عربية لقادة أفارقة وعرب سيعقد بالخرطوم . فى الحلقة القادمة عم جبرة حاكما عاما [email protected]