الرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية خطوة تستحق التأمل والوقوف عندها فالعقوبات التي فرضت علي السودان في العام 1997م بقرار رقم 13067 والذي أصدره الرئيس كلينتون آنذاك مستنداً في حيثياته علي رعاية الحكومة السودانية للإرهاب وانتهاكها لحقوق الإنسان وزعزعتها للاستقرار في دول الجوار وإيوائها لمجموعات إرهابية متشددة وشمل القرار علي فرض عقوبات تجارية وتجميد أصول حكومة السودان بأمريكا واستناداً علي الحيثيات السابقة قامت امريكا بضرب مصنع الشفاء في عام 1998 كردة فعل ومحاولة لإظهار قوتها وانها يمكن ان تضرب السودان في عمقه إن عاد الي تكرار سيناريوهات مساندته للجماعات الارهابية ،وتبع ذلك في العام 2006 قراراً اخر اصدره الرئيس جورج بوش الابن وعلي ضوئه تم تجميد أصول جهات لها علاقة بالصراع في إقليم دارفور من ضمنها حكومة السودان وقيادات في "قوات الدعم السريع " واستند بوش في قراره علي حيثيات القرار الذي سبقه اضافة الي رؤيته ان الحرب والعنف ضد المدنيين في السودان لازال مستمر إضافة الي تدهور الوضع الامني بالبلاد وكانت أزمة اقليم دارفور حاضرة بقوة من ضمن العوامل المؤثرة في القرار هذا ، وفي ذات العام وتحديداً في شهر نوفمبر اصدر الرئيس بوش قراراً اخر دعم به قراره السابق بذات الحيثيات السابقة . إذن مياه كثيرة مرت من تحت جسر العلاقات المتوترة بين البلدين ليأتي العام 2017 برؤية امريكية جديدة نحو السودان تساويها استراتيجية جديدة من حكومة الخرطوم بعيداً عن شعارات رفعتها في مطلع وصولها الي السلطة من امثلة "امريكا دنا عذابها" توجتها جولات مرثونية متعددة للجنة مشتركة بين البلدين تبعتها خطوات تنسيقية مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة بغية تلطيف الاجواء بين البلدين فكان نتاج ذلك قرارات اوباما الاخيرة برفع الحظر الجزئي عن السودان والابقاء علي وجوده في قائمة الدول الراعية للارهاب ، وبلاشك فأنها خطوة ناجحة للدبلوماسية السودانية (وان كان هنالك من يشكك في ذلك) فلولا جهودها التنسيقية تلك لما قامت إدارة اوباما في اخر عهدها بإصدار هذا القرار المرهون بستة شهور اختبارية . ورفع الحظر خطوة في صالح المواطن السوداني وان رائ الشامتون علي الحكومة غير ذلك وهي خطوة كذلك في ملعب المعارضة لكي تثبت لامريكا سوء نوايا الحكومة وعدم قدرتها علي تحقيق المطلوبات الأمريكية التي ربطتها باستمرارية قرار رفع الحظر الجزئي ،ومن الجدير ذكره ان المعارضة السودانية إن كانت تعي فهي أول المستفيدين من هذا القرار ان استثمرته بشكل صحيح وباغتت الحكومة بضربات تحت الحزام (ولكن اشك في ذلك ). علي كل قرار رفع الحظر يفتح فرص كبيرة لقطاع واسع من المستثمرين للدخول لسوق العمل السوداني وضخ استثماراتهم فيه فهنالك خيارات كثيرة للاستثمار في السودان، والمطلوب مع القرار الامريكي مراجعة حقيقة لضوابط الاستثمار وقوانينه بالبلاد والتي كانت طاردة لعدد من المستثمرين ،وايضاً بعد القرار من المتوقع ان تنتعش واردات القطاع الزراعي و الصحي والصناعي من الآلات والمعدات وكذا ستتوفر قطع الغيار التي كانت تستوردها الحكومة عن طريق وسطاء مباشرة من المصنع الأمريكي . نعم تحتاج الحكومة بعد قرار رفع الدعم خطوات كبيرة في طريق إصلاح نظام الحكم والاقتصاد ،ومن جانب اخر تحتاج الحكومة ان تكون اكثر شفافية ومصداقية تجاه المواطن الذي صبر عليها طوال سنين حكمها وان تقدم له عربون المرحلة الجديدة بفتحها ملفات الفساد التي صارت تزكم الأنوف ملف ملفاً تمهيداً لإنصاف الأبرياء ومحاسبة المفسدين .. د. صبوح بشير [email protected]