راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البديل لرعوية النور حمد - التأخر الوراثي في السودان ( 4 )
نشر في الراكوبة يوم 31 - 01 - 2017

الأجناس النقية كما يؤمن علماء الأجناس الآن غير موجودة , ويُعتقد أنها كانت موجودة في الأزمان الماضية , ولكن الاختلاط الجنسي , والهجرة , والغزوات , جعلت الصفات الجيدة تتفرق بين مجاميع أكبر على مر الدهور . و من الثابت الآن أن هناك اختلاط حدث في إنسان نياندرتال , ويدل على ذلك وجود بقايا عظام تتسم بصفات وسط , إلا أن إنسان نياندرتال الذي وجد في أحد أودية ألمانيا ليس هو السلف المباشر لإنسان العصر الحاضر , كما أن وجود السلالات المغولية والزنجية في أوربا دلالة ثانية على أن الاختلاط ليس ظاهرة حديثة . ورغم الاختلاط الذي حدث قديما , وتواصل إلى العصر الحديث بين الكثير من السلالات إلا أن المدنية مازالت متطورة , بل وعلى أشدها , رغم عدم وجود سلالات نقية بعينها وبصفاتها المحددة , ولكن هل لدينا نحن الآن القدرة على هضم المنتجات الفكرية والتقنية والإنسانية القادمة من سلالات تسرع في إنتاجها , وتنتج المتفردين في الإدارة والعلوم والسياسية والاكتشافات ؟ الإجابة حتى هذه اللحظة بلا , رغم القناعة الراسخة بأن كل الشعوب والسلالات المنضوية تحتها قادرة على تخطي مشاكلها الوراثية في جيلين أو ثلاثة من ناحية الصفات النفسية ومتوسط معدل الذكاء التي تمنعها من الترقي , واستبدال الانحطاط بالسمو العقلي , والسلوكي , والأخلاقي , إذا أُديرت بطريقة حديثة واعية تستهدف نتائج محددة .
من أهم نتائج الأبحاث النظرية الآن أن التطور الوراثي للإنسان عموما قد تأثر كثيرا بالابتكارات التكنلوجية وبتغيير الحضارة والمعارف الجديدة . وتعثر التطور الوراثي عندنا للانغلاق التاريخي والاجتماعي , فنحنا كنا منطقة عبور , وليس منطقة استقرار , وهجرات واسعة , ولم نجرب التغيير الحضاري , والانتماء لدولة , إلا بعد وصول جحافل الاستعمار الذي فتح الأبواب لمعرفة الابتكارات التكنلوجية قديما وحديثا , والتي بفعل تطورنا الوراثي والمرحلة الجينية التي نقف عندها , لا نبالي بها , ولا نحترمها , ولا نعرف على وجه الدقة كيفية التعامل الإنساني والتقني معها , فما من جهاز جديد إلا ونحوره استعماليا بطريقة مخلة لطريقة كتلوجه , ونصائح صانعيه , ونفقد الصبر في استخراج الفائدة منه , ولا نحسن صيانته , ولا نلتزم لضعف حاسة الالتزام فينا التي تربت على الخوف من جهة وعلى الطمع من الجهة الأخرى بمواعيد تغيير ما يحتاج لتغيير كما لا نلتزم بأي موعد آخر . فنرى السيارات في شوارعنا كمثال بدلا من أن تُدار باسوتش ومفتاح مخصص لذلك , يديرها أكثرنا بسلك رفيع , ولضعف حاسة الخطر , واحترام روح الإنسان , تدور الكثير من السيارات في شوارعنا بلا فرامل أو بنصف فرملة , معتمدة في ذلك على عبقرية السائق , ومهارته في حساب خريطة الطريق , وأقدميته كسائق مدرب منذ العهد الفلاني , ورفع رجله في الوقت المناسب من دواسة البنزين . وهذه الأمثلة كثيرة في كل جهاز نتعامل معه فضلا عن الأفكار في الغذاء , والصحة , والنظافة عامة , والرياضة البدنية , والأفكار النظرية في السياسية , والاجتماع , والعلوم .
نحن والحالة هذه التي وصلت بنا إلى مرحلة أسفل من عقلية الرعاة , نحتاج لمواكبة التغيرات الحضارية الآن وبسرعة , وألا نتجهم أمام ما ندعوه بالتغريب والأوربة , وأن نتجنب الدوافع الأخلاقية والتاريخية والحزازات الماضوية من حروب لم نشارك فيها , بل تبنيناها كحروبنا مثل الحروب الصليبية التي لم نكن مشاركين فيها بأي حال من الأحوال , ولم نكن مشاركين في حروب الأندلس مع المرابطين والموحدين بل لم نشارك في أي خلافة نشأت في الإسلام , وحتى آخر خلافة إسلامية في تركيا لم نكن جزءا من خريطتها . نتجنب الدوافع الأخلاقية والتاريخية التي تقف حجر عثرة أمام تطورنا الوراثي حتى ذلك الطفيف منه سواء منه القريب , أو البعيد , فللوراثة ولا شك أثر ما في تشكيلنا , وتشكيل استجاباتنا , وتشكيل وعينا , كما لها أثر في تشكيل طول أجسادنا ونسب الهرمونات دخل عروقنا .
كثير من كتاب ومتخصصي الجينات واللغة والشعوب والحضارة يعترفون بأثر الوراثة في تشكيلنا ( عقليا وحضاريا وإنسانيا ) ولكنهم يحاولون دائما إضعاف هذه الحقيقة التي ظهرت عيانا في مجتمعاتنا في العالم الثالث بقولهم , ولكن كذلك أيضا البيئة التي نحيا بها ,
الاتزان الوراثي في بلادنا يكاد يكون منعدما , فأوربا كمثال من أكثر قارات العالم انسجاما وراثيا بفعل الهجرات الداخلية على الرغم من الصراع السياسي الطويل بين مكوناتها . أما في السودان بفعل القبلية التي نمطت الأعراق وأغلقتها فتتباعد السلالات والأعراق عقليا وجسديا .
الزهد عندما يكون جماعيا يمارس على نطاق عرق بأكمله أو شعب فلابد أن يكون إشارة خفية لتعطيل وراثي ولتبادل جيني محدود على نطاق جماعة مغلقة , وهذا ما ميز الكثير من المجموعات التي تعيش في الصحراء أو المناطق المنعزلة جغرافيا , وعندما أصبحت الخرطوم عاصمة في سنة 1824 كانت قرية على النيل بيوتها من القش والطوب الأخضر والجلود . وعلى ذلك يمكن أن تقيس كل مدينة في السودان أو قرية . ومازالت المدن الزاهدة ممتلئة بشخصيات وأفراد يمارسون الزهد بطرق مختلفة ويلوثون به الحضارة ونظم الاقتصاد الحديث بوصفه مادية و هناك أنواع من الزهد تمارس حتى بين مجموعات لا تعتبره جزءا من الدين أو هي رقيقة في دينها , ولك أن تنظر إلى المجموعات الوثنية في السودان وأساليب حياتها التي تصل إلى درجة عيشها في ما يشبه الجحور والكهوف . ولك أن تنظر إلى الأبنية الحديثة , وامتعاض الناس منها , ورفضها الغريزي لوسائل الراحة بداخلها , حتى تعلم إلى أي عمق توغلت رغبات الزهد وأي أنواع البشر تعيش في تلك الأبنية .
كان محمد علي باشا أول من ربط أنحاء السودان المشتتة المتباعدة باستخدام قوافل الإبل لنقل البضائع والرسائل , ولكنه فشل في إدارة السودان . وفشل كل الذين جاؤوا من بعده في منصب الخديوي أو في منصب الحكمدار بل ما زال الفشل يخيم على حياتنا هذه اللحظة , ويجلل الفشل هامات الحكومات الوطنية حتى هذه اللحظة , وآخر من اعترف بذلك هو الحكومة الحالية .
التاريخ الأكاديمي يقول ويلح في القول إن فشل محمد علي كمؤسس للسودان الحديث في الإدارة سببه الظلم والقسوة على السكان وجمع الضرائب الباهظة بأساليب وحشية , ولكن هذا التاريخ لم يحدثنا عن عناد السكان , وعدم استيعابهم للتطورات الحديثة , وعدم التجاوب العقلي معها , وعدم رؤيتهم لمصلحتهم في تلك التغيرات . لقد فشل محمد علي في إدارة السودان لنوعية السلالات الموجودة آنذاك , لنوعية القبائل التي يتحكم فيها زعماء ولدوا من علاقات أسرية موبوءة بالعقم الوراثي , فلم نسمع سوى بعض التلميحات لفجاعة تلك القبائل وانحطاطها السياسي والإنساني , فهي لم تستوعب التحديثات التي أتى بها , فهو من وحد السودان لأول مرة في حكومة مركزية جعل على رأسها حكمدارا , وقسم السودان ل 7 مديريات على رأس كل مديرية مدير يعاونه وكيل وكتبة وقاض ومفت , وأنشأ ورشة لبناء الوابورات , ومعملا لصناعة البارود , ومازال السودان حتى اليوم يقوم بصناعة البارود وصناديق الذخيرة من أجل القتال القبلي , ليقمع نفس القبائل من المتأخرين في فهم الحضارة والصبر عليها والمثابرة على استتبابها , فقد ترك محمد علي الإدارة الأهلية وزعماء العشائر على حالهم يحكمون عشائرهم كما فعلوا من قبل لآلاف السنين . وحاول بعده الخديوي عباس إصلاح إدارة السودان ولكنه فشل أيضا لنفس الأسباب التي فشل بها سلفه مع أن كتب التاريخ تزعم أن سبب الفشل هو فساد الموظفين وعلى رأسهم الحكمدار نفسه الذين استفادوا من بعد المسافة عن القاهرة , ولكننا نعتقد أن السلالات الموجود في زمن محمد علي ومن خلفه لم تكن جاهزة لأي إصلاح سياسي أو اجتماعي , وهذا ما يعاني منه السودان الحالي منذرا بتفكيكه إلى كنتونات صغيرة منسجمة سلاليا وسكانيا يمكن إدارتها وتطبيق النظريات الحديثة عليها . ولعسر الإدارة والإصلاح خضع السودان منذ البدء لكثير من النظريات التي تطبق ثم ترفض ليعود بعض المدراء لتطبيق ما سبق تطبيقه . وعندما وصل الخديوي سعيد باشا إلى الحكم قلص المديريات إلى 4 لعدم نشاط السكان ولعدم استفادتهم من توسيع الإدارة التي لم تفجر موارد السودان الكامنة , وجعلها تتبع مباشرة إلى القاهرة , وجعل نظام الحكم لا مركزيا بإلغاء الحكمدارية , ومازال السودان يحكم بدساتير مؤقتة أو دائمة تلغي ثم يعودون إليها مرة أخرى , أو يحكم بدستور يظل قابعا في الورق ولا يؤثر على الحياة العامة مما صنع فجوة عظيمة بين الأفكار والحضارة وطموحات الحكام والسكان . بل مازالت بعض النخب حتى اليوم تدعو إلى التبديل الحضاري وتنقية الأفكار وتغيير الأعراف والتقاليد وما درج عليه الأسلاف فلم تستطع للتغيير سبيلا .
الصدمة الحضارية التي عانتها الأعراق السودانية , ولم تستجب لها بما فيه الكفاية بحكم ضيق التعلم الفطري , منذ دخول محمد علي السودان كانت ولا شك أكبر من الصدمة التي أحدثها دخول الإنجليز بقيادة اللورد كتشنر الذين عانوا كثيرا من ضعف تصورات النخب الدينية وتشككها المستمر في الحضارة بحسبانها ( النخب ) القناع الظاهري لضعف وراثي سكاني يخضع للدين ويأبي المنجزات البشرية لفداحتها وتتطلبها أثمانا باهظة من حيث الفهم والرعاية وقدرة التغيير , ولذلك لم تتعاون الأعراق السودانية المشتتة والضعيفة من حيث عدد السكان مع الحكم التركي , فتحول بين ليلة وضحاها إلى حكم عسكري قاس إذ قام سعيد باشا بإنشاء حامية عسكرية في كل مديرية , وأسند حفظ الأمن لأورطة سودانية حتى يخفف من معارضة السكان لوجود الغريب ( المستقر بينهم ) من المصريين وتحديثاتهم التي لم يكونوا ليستوعبوها استيعابا , والتعامل معها بندية , والاستفادة منها.
في كل العهد التركي لم تحدث نهضة في السودان التركي – المصري مع أن الأتراك ( الخديوي ) قاموا بإصلاحات إدارية كثيرة , فبنوا مراكز البوليس في المدن , بنوا المدارس , المستشفيات , وشجعوا الأهالي على البناء بالمواد الثابتة , وباعوا لهم مواد البناء بالسعر الأساسي ... ولكن لم تحدث نهضة , ولم تؤثر أساليب التعليم الحديثة التي تعلموها في جرهم إلى العقل المدني – وفي العصر الراهن رأينا كيف خربت العقلية الدينية خطوط السكك الحديدية والمشاريع الكبيرة وخطوط الطيران العالمية – لم تحدث نهضة بل حدث العكس : الفوضى الدينية , ظهور المهدي . ودائما كما حاول بعض علماء الثقافة التأكيد على أن الفوضى الدينية باسم الثورات والإصلاح هي المعادل الظاهر والغلاف والخارجي للضعف الوراثي وللتدني السلالي وكلما ظهرت هذه العقلية ظهر الانحطاط والتراجع . ولذلك إذا أردت أن تحطم أمة أو دولة فأبعث دينها .
لا نعرف إذا ما خضعت العشائر والسلالات السودانية لتحاليل وراثية على نطاق الجمهورية ومع ذلك كما يعترف علماء الوراثة التاريخيون فإن إعادة بناء تاريخ التطور مهمة صعبة حتى مع وجود سجل جيني أركيولوجي داخل الجينوم البشري وجينات تمثل تاريخا قديما للأجناس البشرية ولكن المعروف والمؤكد أن الفروقات بين العشائر والسلالات في العالم تكاد تكون صفرا أو هي فروقات طفيفة عندما تدرس تكرارات الجينات , ولكننا نعتقد أن الفروقات التي تميز شعبا عن آخر أو سلالة عن أخرى مهما كانت طفيفة فهي ستؤدي إلى فروقات مهمة في العالم الثقافي الظاهر , فإذا كانت هذه الفروقات في تكرارات الجينات نتجت في فترات طويلة تبلغ ألاف أو ملايين السنين , فيجب أن نؤكد أن قدرة شعب على صنع التميز والريادة على غيره من الشعوب والسلالات لا تحتاج إلا إلى هذه الفروقات الطفيفة , فإذا زادت هذه الفروقات عن معدلاتها الحاصلة الآن فستخرج هذه الشعوب أو هذه العشائر ذات التميز الوراثي الجيني من النوع البشري بكليته , لتشكل نوعا آخر من ذاك النوع الذي مازال الفلاسفة يسعون للحصول عليه باسماء الإنسان المتفوق كما قال الفيلسوف الألماني فردريك نيتشة أو الإنسان الكامل أو السوبرمان .
علماء الوراثة الرياضيون والإحصائيون يقرون بوجود الفروقات الوراثية في تكرار الجينات والبورتينات المكونة لها أو ما يسمى بالمسافة الوراثية ومن هؤلاء أ.ر.فيشر الذي حسب متوسط المسافة بين عشيرتين والأمريكي الياباني ماساتوشي ني , ومن كل تلك الحسابات نؤكد على :
أ‌- في أوربا كمثال دراسي توجد مسافة وراثية بين سلالاتها .
ب‌- هذه المسافة طفيفة وقد تزيد بصورة ملحوظة
وقد أورد مؤلف كتاب ( الجينات والشعوب واللغة ) لويجي سافورزا مثالا للفروقات في جين RH السالب المنتشر في أوربا يقول : " كان تكرار الأفراد حاملي الجين السالب في انجلترا 41,1 % وفي فرنسا 41,2% وفي يوغسلافيا السابقة 40% وفي بلغاريا 37% . هذه فروق بسيطة " ويحسب لويجي سافورزا المسافة الوراثية بين كل شعب وآخر فيجدها بين فرنسا وإنجلترا 0,1% وبين الفرنسيين والبلغار 4,2% وبين البلغار وسكان يوغسلافيا 3% . فما هي المسافة الوراثية بين السودانيين والشعوب الأخرى أو بين السلالات التي تعيش جنوب الصحراء والسلالات الباقية في المناخات الأخرى ؟ . الدراسات إن وجدت لا تقول شيئا مرضيا . ولكننا نعتقد أن المسافة موجودة وكبيرة .
وإذا كانت المسافة الجغرافية تزيد من المسافة الوراثية , وتخلق اختلاف التكرارات الجينية كما يؤكد علماء الوراثة والأنثربولوجيا فإننا نلاحظ بالإضافة إلى ذلك أن السودان يحتوي على مسافات أخرى منها المسافة الثقافية والمسافة الدينية والمسافة التاريخية العنصرية فالدين منع الاختلاط بين المسلم والمسيحي أو بين المسيحي والوثني والمسافات التاريخية الناشئة عن حزازات وحروب أو تلك الناشئة عن تاريخ العبودية في السودان التي جعلت الانسجام الوراثي بين العناصر المتهمة بالتجارة في الرق والعناصر الواقعة تحت وطأتها مستحيلا , والفروقات الوراثية نفسها بفعل العزلة الجغرافية والنفسية ساهمت كثيرا في إضعاف سرعة الانسجام السلالي , فالاختلاف في السودان ليس عشائريا حيث تتبع العشائر لأسماء آباء من نفس العشيرة , وإنما اختلاف سلالي أصلا , فزيادة الشقة بين السلالات في السودان أدت إلى انقسام الإقليم الجنوبي الذي شكل ثلث السكان وثلث المساحة فهو في الأصل انقسام وراثي عرقي لا يمكن الشك فيه مع عدم وجود سياسات للوحدة الجاذبة . فهذا الانقسام السلالي التاريخي سهل للسياسيين من محليين وعالميين لحظة الانفصال بين الشطرين . وهذا ما يؤكد أن الحالة الثقافية والحضارية هي حالة وراثية . وإننا عندما نتعامل مع الأفكار والاتجاهات إنما نتعامل معها من وجهة جينية سلالية . فالدين مسئول مسئولية تامة عن الضعف السلالي , والانسجام الوراثي , وضعف وجود التطورات أو حدوث طفرات في بلد كالسودان .
أوربا من أكثر القارات تجانسا وراثيا وتكبر المسافة بين أمريكا والسكان الأصليين لأستراليا ويعلل الباحثون هذا الانسجام في أروبا رغم نزاعاتها السياسية التاريخية الحادة بكثرة الهجرة داخلها . والانسجام السلالي إذا افترضنا أنه سبب للتطور الحضاري فإنه أيضا سبب لحدوث التناسل الوراثي الجيد والمحافظة على القدرات السكانية لمراعاة النظام في حياتهم والانضباط في طرائق معيشتهم وتحقيق الانسجام الثقافي بينهم , و لا نعهد عندنا هجرات سوى الهجرات المؤقتة أو التي حدثت أخيرا إلى المدن الكبيرة التي وجدت حواجز التناسل كبيرا لسعة الفرقة الطبقية بين صناعيين وموظفين حكوميين وطوائف زراعية ورعوية فقيرة تعيش على الأطراف ولم نشهد ترحلا عندنا إلا ترحل الرعاة بقطعانهم ولكن لعدم استقراره ولعنصريته الدينية والفطرية وتمسكه بأصوله المفترضة فإنه لا يساهم في الانسجام , وكل ما يفعله هو أن يحافظ على حياته وأرض رحلته بالتبادل التجاري مع المزارعين المستقرين . والهجرة عكس رحلة الراعي الذي يمر ولا يستقر . ولا يوجد عقل رعوي واحد , وإنما عدة عقول , بحسب اختلافات الرعاة تبعا لثقافتهم وعلاقاتهم مع ممتلكاتهم , وهذه العلاقة هي التي حجمت التوارث السلالي , وضعفت من حجم الانسجام الذي كان يجب أن يحدثوه في بلد كالسودان , ولعل سبب ذلك هي جماعاتهم القليلة المترحلة لهدف معين يعودون بعده لمراعيهم الرئيسية, وبعضهم يرحل بدون نساء . ولكن التوازن الوراثي الذي حدث في أوربا لا تحدثه الهجرات وحدها وإلا لوصلت آسيا إلى ما وصلت إليه أوربا رغم الهجرات الضخمة من المغول والأتراك وغيرهم الذين وصلوا إلى أبواب فينا في القرن الثامن عشر مما يدل على أن هناك أسبابا أخرى أهم من الهجرة هي نوعية الأعراق نفسها .
هذه الحواجز الثقافية والتاريخية هي التي أحدثت عدم الاتزان الوراثي داخل السودان , وجعلت السلالات التي تكافح الآن من أجل التنمية والديمقراطية والحياة الإنسانية تدور في حلقتها المفرغة مسببة الفوضى العقلية والثقافية لنفسها ولمن حولها.
قلة عدد السكان في السودان أدت إلى تضييق المدى الوراثي وعدم تنوعه وهذا لا يشاهد في الدول التي بنت نفسها على كثافات سكانية عالية مستقرة ( الصين مثلا ) أو كثافات سكانية مهاجرة ( أمريكا ) وأمثال هذه السلالات المبنية على كثافة ضئيلة عندما تجمع في دولة فإنها كما هو مشاهد تكون بسرعة أفكارا مضادة لكل ما هو مدني وحضاري ويثور فيها الشك على كل جديد ومفيد وترفض العمل الجماعي مفضلة عليه العمل الفردي وهي أكثر ما تتجه إلى الصراعات المباشرة مع من يديرونها إذ فاتها الصراع الطبيعي من أجل تكوين سلالة ذات قدرات عصرية . فالدولة الحديثة كيان مصنوع لن يجد التجاوب مع أعراق أدنى من تعقيداتها إلا بالتدريب المستمر والوفرة والديمقراطية . واستقرار السلالات في مكانها دون هجرتها ودون زيادة أعدادها ودون تجشمها أي نوع من الهجرة والاختلاط السكاني يجعل الأنواع الجديدة منها تشابه تماما أنماطها القديمة قبل ملايين السنين مثلما جاءت الأدلة العلمية تؤكد ذلك , ولابد أن العشائر التي يتكون منها السودان الحديث تعرضت لهذا الركود العددي والاستقرار في مكانها لا تغادره لملايين السنين حتى العصر الحديث وقلة العدد بسبب الأمراض والحروب الداخلية والأمراض الوراثية الناتجة من الزواج القبلي والأسري لأعراق كان يجب عليها أن تطفر إلى الأمام .
المجتمع السوداني السلالي والوراثي كما يظهر من تاريخه الاجتماعي والسياسي , ومن نوعية أفراد النخبة التي أنتجها , يبدو أنه كان عاجزا عن خلق ( طفرات ) سوى السلبية منها لترتفع به من وهدته العقلية ,والنفسية ,والروحية . وكان عمل الانتخاب الطبيعي بين تلك السلالات في الدهور السابقة ضعيفا وغير ذي فاعلية على الإطلاق , فالإنسان الأفضل , المقتنع بالحضارة , القادر على استيعابها , والاندماج فيها , القادر على معاناتها روحيا , والتفاعل معها ماديا , مازال كامنا في إنسان اليوم .ولذلك يتجه هذا المجتمع إلى الرضا بالدكتاتورية , ودعمها , وتصديقها خاصة بالمزاعم الدينية التي تجد في مستواه الوراثي ضالتها وإنسانها .
أول ما يفعله سائق السيارة عندنا , وفي العالم الثالث عموما , هو أن يعطل عداد السرعة لأنه لا يتعاطى مع الزمن قليلا أو كثيرا , وأول ما تفعله المحلية في الشارع الذي يسوق فيه هذا السائق التعيس هو أن تتجاهل علامات السرعة في الطرق بل وكل العلامات , وحتى إن وجدت علامة تركها السابقون الأولون فإنها تبادر إلى اقتلاعها أثناء رصيف الطريق بتلك المواد الرخيصة أو تجاهلها إذا ما أعوجت وانحنت . وأول ما تفعله وزارة المواصلات أو أي وزارة معنية بشئون الحركة والسرعة والزمن والمسافة تلك العناصر التي استلمنا قوانينها كاملة غير منقوصة فعرفنا قانون المسافة وقانون السرعة وقانون الزمن وأصبحنا بقدرة قادر نستطيع حساب سرعة البرق من مكان معلوم إلى مكاننا – فأنها تتجاهل تماما تعليم هذا السائق أول أبجديات القيادة في الطرق وتعطيه الرخصة بعد أن يتعلم في شوارع لا توجد بها أبسط معلومات التعلم والتعليم . هذا الإنسان ا لذي مازال يعتمد على الفطرة في داخل التقنية والحضارة لن يكون متساوقا مع هذه الحضارة ولا شاعرا بها ولا متفاعلا معها من قريب أو من بعيد . وقس على هذا المثال كل ما يدور في حياتنا , فستجد أننا أصلح الناس لتجريف العلوم وابتذال التقنية وتدمير الحياة المدنية فقط لأننا نمتلك مشاكل وراثية وعقل لا يستطيع أن يقبل الحياة العصرية وجينوم قديم يحتاج إلى الفحص الدقيق لكشف مكوناته وعثراته . فمهما حاولت أن تعلم مجتمع القرود كيفية الحياة في القصور والغرف والمطابخ فحتما ستجدهم في اليوم الثاني يتعلقون في أشجار الحديقة . يقفزون هنا وهناك . يصرخون ويتعاركون .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.