على الرغم من التطور الكبير في كل المجالات الا أنني الاحظ أننا كسودانيين ونسعى لملاحقة كلما هو حديث الا أن الملفت للانتباه أننا في مجال الغناء لازلنا لم نغادر محطة غناء الحقيبه ، وما من فنان الا ويبدأ فى ترديد أغاني الحقيبه دون الاهتمام بامتلاك اغنيات خاصه ويستمر في ذلك لسنوات طويلة وهناك فنانيين يبدأون بمحطة الحقيبه ومنها ينطلقون، لكن آخرين يظلون يرددون غناء الحقيبه الى أن يختفون عن الساحه الفنيه وينساهم الناس لانهم لم يتركوا أى أثر يذكر لهم. واذا سألنا أنفسنا السؤال الكبير لماذا يتعلق الناس بغناء الحقيبه رغم ان الشعر بعد مرحلة الحقيبه قد تطور وأصبحت فيه مدارس مختلفه ظلت اغنية الحقيبة راسخة فى الوجدان السودانى وكل الناس تعلقوا بها لانها أصل الغناء فى السودان وقد برع شعراء الحقيبه فى كتابة الشعر فى تلك الفترة وكله كان يتعلق بالمحبوبه والتغزل فيها وفى محاسنها ، وكان ذلك يتم حتى قبل اللقاء بها مثل ان يذهب شخص الى احد الشعراء ويحدثه عن ازمته العاطفيه او انه دخل في حالة هيام شديد مع احدى فتيات مدينه من المدن او حي من الاحياء. ويقوم الشاعر وبصدق شديد يكتب بلسان الانسان الذى امامه وهناك حالات كثيرة في الغناء السوداني، ومن المحبين الشعراء من يكتم حبه ولايعلنه امام الناس بل يرمز الى ذلك بمجرد رموز لايعرفها احد سواه يكتب ما فى دواخله بالشعر فتقع القصيدة في يد ملحن او فنان او يسلمها الشاعر لمن يريد ان يغنيها مباشرة وهناك شعراء وملحنين وفنانين في نفس الوقت. الكثير من الاغنيات فى الحقيبه شبهت المحبوبه بالقمر ومن الشعراء من ذهب في وصف مفاتن محبوبته بالغزل البرئ مثل وصف خصالات شعرها الطويل الاسود او وصف شلوخها المطارق وعيونها الجميله وخدودها النضرة الناعمه وهناك من يصف جمال ساقيها وجمال لونها وكل ذلك يمكن ان يكون مجرد خيال وفي بعض الحالات حقيقه لكن زمن اللقاء لايكون طويلا ويمكن ان يتم عن طريق الصدفه او من خلال حفله عرس او اى مناسبه اجتماعيه. وشعراء الحقيبه فى السودان كانوا من الذين درسوا اللغه العربيه في الخلوه وقليلين منهم من درسوا في المدراس وكانت ثقافتهم من القرآن لذلك نجد ان معظم اوصافهم مأخوذة من القرآن وبلاغته وفي دقة الوصف يقول الشاعر: الشجر اقلام جميع والنيل مداد لو كتب اشواقي ليك ماعددا. او ان يقول الشاعر في أغنية زنقار (حبيبي غاب فى موضع الجمال بلاقى) والشاعر يعنى انه سيلاقى محبوبته في كل اماكن الجمال ويتخيل صورته والشاعر الكبير خليل فرح مثلا يرمز الى حبه للسودان في عيون محبوبته عزه والتى اصبح كل الشعب السودانى يتغنى بها ويرددها عن ظهر القلب وهذا خلافا للشعراء محمد على المساح وودالرضى وعمر البنا وعبدالرحمن الريح وابوصلاح وغيرهم وغيرهم وهذه مجرد نماذج كانت كلماتهم في غاية الرصانه والادب والحكمة بدون تجريح او اساءة او عداء ، لذلك استمرت اغنيات الحقيبه وستستمر متفردة في لحنها وكلماتها. ولكن يجب ان ننظر الى اليوم ومانحن فيه ظروف الحياة وتطورها جعلت الناس يتعايشون مع بعضعهم يتقابلون في المدارس والجامعات شباب وشابات وكذلك يجمعهم العمل او السكن وقد انكسرت الحواجز واصبح الاحتكاك مباشرة ، وفي زماننا كان تبادل العواطف يتم عن طريق المراسلات البريديه او اليدويه عن طريق الاصدقاء والصديقات القريبين وهى خطوة اكتر تطورا عن المراحل السابقه لها ، لكن الان وكما قلت الاحتكاك اليوم في الاحياء السكنيه او المدارس والجامعات والعمل وكذلك التطور الكبير في عالم التكنولوجيا جعل حتى المشاهدة والتخاطب اليومي سهلا وفي متناول اليد عن طريق الموبايلات او الكمبيوترات وبالتي تكسرت حواجز كثيرة ، واصبحت بعض الاشياء سهله ومبتذله وبالتالى انخفضت حالات الشوق والتقابل واذا رجعنا لغناء الكاشفى يقول (الشوق والريد والحب البان في لمسة ايد) فهو يغنى لمجرد السلام ويحتفل بذلك ويكتب من اجله الشعر. لاحظوا غناء هذه الايام والشباب يردده دون وعى لانه المتوفر(سنتر الخرطوم) (وقنبله سماحة الزول في الطول والعلا) وحرامي القلوب تلب (وبختى ان شاءالله راجل اختى )و(راجل المره حلو حلا )وكلمات خاليه من المعانى والمضمون وخادشه وجارحه موسيقى تبدأ وشباب يدخل في نص الحلقه يرقص ولايفهم ماذا يقول الفنان واذا فهم فهو لايهتم ولايريد. وسؤالى هل نحن في حالة هبوط مستمر الى ان يصل ذوقنا الى مستوى متدني حتى نخجل منه ولانستطيع ان نميز بين الغناء الممتاز والغناء الهابط ويمكن ان نرقص مع اى ايقاع لمجرد الرقيص. وهل يمكن للاجيال اليوم ان تكتم قصص حبها كما كانت الاجيال التي سبقتنا ولحقنا بها وتكون هذه من المحرمات الى ان تصبح العلاقه شرعيه ونغنى مع الفنان بلال موسى (لاحب لاغرام لاخطوبه عرس بس) وانا اكتب يكون شريك حياتي ووالد ابنائي بين طيات السحاب وقلبي معه الى تصل طائرته الى مطار الخرطوم وانفاسى مكتومه الى أن اسمع منه ويوم رحيلك ياحبيبى شفته كل الكون مسافرواغنى له يانور العين انت وينك وين وحمدالله على السلامه وعندما يعود لن اغنى له (بسكويت وبركه الجيت )انما سأغني له عاد الحبيب المنتظر عودا حميدا مستطاب. انتصار دفع الله الكباشي [email protected]